سنة النشر : 17/01/2009 الصحيفة : الاقتصادية
.. الأرضُ هي الكتلة العربية، والتفاحة هي الكتلة الاسرائيلية، وإن أمهلتموني فسيأتي التفسيرُ لاحقا هنا.
إنه عالمٌ صغير، والناجحون من عملوا منه دوائرَ واسعة. وقد نجعله ضيقاًً محزَّقا، كيف؟
كم تعرف من الأشخاص سيحدد مسارَ حياتك. كلما زاد عدد الناس الذين تعرفهم زادت فرص نجاحاتك في الحياة وجمعت الآراءَ لمساندةِ قضاياك، فإني وجدتُ أن أكثر النابهين والناجحين والواصلين، بمختلفِ قدراتِهم من أهم نجاحاتهم أنهم يعرفون الكثيرَ من الناس. عرفوا أن العالمَ صغير، والدوائر تتسع، وكذلك الدوَل.
كلما ارتفع حجمُ معارفِك قربتَ مباشرة، أو بطريق غير مباشر، لمن يغيرون حياتك، من يقضون لك حاجة، أو من تمنيت أن يفسحوا لمشروع حياتك ليصل للنور.. وكلما تعارفت الدولُ باتفاقيات وتعزيز للعلاقات مع دول أخرى، وربطتها بسلسلة المنافع المتبادلة، كلما قويَتْ ونجحت في تمرير مصالحها ونصرةِ قضاياها.
معرفتـُك أن العالمَ صغيرٌ تجعلك تؤمن أن في وسط إحدى دوائر العلاقات التي يجب أن تكون واسعة، يوجد شخصٌ له القدرة لتسهيل نفاذك لفرص المستقبل، وتحقيق الأماني، أو بعضها.. وكذلك بالنسبة للدول، عليها أن تخلق علاقات مع أشخاص داخل دول أخرى، لتشكل مجموعات ضغط من أجل مصالحها وقضاياها.. وتعرفون من الدولة الناجحة في ذلك!
إذن: ضع تحت هذا خطاً عريضاً: "عالمٌ صغير، بدوائر واسعة.. ستصل!".
وأعرف ناساً نابهين متفوقين، ربما أكثر من أصحابـِنا الذين حققوا أهدافـَهم، ولم يصبهم حظهم.. والسببُ أنهم جعلوا الحياة ضيقة. فهم لا يقيمون العلاقات المطلوبة فتضيق الدائرةُ جدا، فلا يعود لصغر العالم معنى، فيصعب عليهم إدراك أهدافهم،.. أو أنهم لا يستطيعون، بحكم هذه الانغلاقية أو الانطوائية، أو رهاب الخروج للمجتمع.. وهذا تماماً ما يحصل للدول المنغلقة بعلاقاتها، أو المعادية للانفتاح على العالم.
لذا أتمنى من الجيل الطالع، الذين سيديرون مصالحَهم الخاصة، أو مصالحَ الوطن: تعلموا من الآن المهارة الاجتماعية. علمُ الرياضيات من أنبل العلوم، وتعلمنا من نظرية المضاعفات، أننا نصل بتضاعفٍ معدود لأرقام فلكية.. أعطيكَ مثالاً:
أنت تعرفُ محمد، وتعرف بالمتوسط مائة شخص، ومحمد يعرف مائة شخص، إذن المعادلة: أنت+ محمد=200، ثم لك أن تحسب بمتتاليةٍ كم الناتج من المعارف في خطوة ثانيةٍ عندما يكون كل واحدٍ من هؤلاء المائتين يعرف مائة شخص أيضا.. بعد مضاعفاتٍ قليلةٍ يمكن أن يكون العددُ ضعف سكان الأرض! هذه حقيقة بلغة الرياضيات ودقيقة. يعني بإمكاننا خلق علاقات عامة كوكبية.. بالفعل!
تولعتُ مرّة ًبكاتبٍ أسترالي ، وله كتابٌ من أجود ما كُتب بلغة شكسبير، والكتابُ أطار لبّي، فقرأته ثلاث مرات، وهو من ألف صفحة.. ولأني أحاول كسب أصدقاء برحلات الأجواء، في رحلةٍ، جلس بجانبي رجلٌ عربيٌ أربعيني، ولما قدمتُ نفسي، صرنا مقرّبَيْن بعد دقائق، وتكلمنا عن هواياتنا، ومنها القراءة، وأريته الكتابَ الذي معي، وكان كتاب ذاك الأسترالي، فضحك متعجباً، واستغربتُ هذه الضحكة "الغريبة" الخارجة عن السياق.. فاستدركَ، واضعاً يدَه على كتفي: "أنا أسترالي، من أصلٍ فلسطيني. وسأزيدك من القصيدة بيتا.."، وكان البيتُ أعجوبة، هدية، أيقونة الأيقونات.. فهو صديق الكاتب الأسترالي .. والآن أتراسلُ مع الكاتب.. إنه عالمٌ صغيرٌ، صحيح. وتوسعت دائرة معارفي بزميل الرحلة، وبالكاتبِ الكبير.. أترى؟
ووضع "نيوتن" وهو واحدٌ من أعظم العقول التي أخرجتها البشرية، قوانينَ الحركة ونسّق نظاماً تفسيرياً للجاذبية، فأثبت أن الكتل باختلافها تجذب بعضَها بعضا، فالتفاحة تسقط على الأرض لأنها انجذبت للكتلة الأرضية، وهما متعادلان في الحق القانوني للحركة، فإن الأرضَ أيضا انجذبت لكتلة التفاحة.. على أن الحجمَ الكبير لكتلة الأرض والقوة الصغيرة لكتلة التفاحة جعلتها غير ملاحظة، ولكنها موجودة. وهذا ما علينا أن نفهمه في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنه يتماشى مع السنن الكونية. لكن.. غريبٌ أن كتلة إسرائيل الصغيرة تؤثر في الكتلة الأكبر وهي الكتلة العربية والإسلامية.. ليس دحضا لقانون "نيوتن" بل تأكيد له، لأن العربَ تشظوا لكتلٍ صغيرةٍ وأصغر.. وأصغر، حتى كادوا لا يُلاحَظـَوا.. وما تراه من انقساماتٍ مؤسفة جدا الآن في الساحة العربية السياسية في الرأي وفي التفسير وفي أمكنة الاجتماعات، تعيد تجزئة الكتلة المتشظية أصلاً.. لذا تفوز إسرائيلُ لأننا فهمنا طبقا لقانون الكتلة والجاذبية، أن الكتلة الإسرائيلية أكبر.. لأنها أشدّ تماسكا.
إذن لدينا مثالان:
الأول: العالمُ صغيرٌ،والدوائرُ من الممكن أن تتسع، وستفاجأون بمن بها من ناس لم تتوقعوا يوماً أن تروهم بشخصهم.. فوق أن تتعرفوا إليهم. وكذلك لو نشطنا علاقاتنا الدولية من هذا المنطلق بتوسيع دوائرَ التعارف والتفاهم وتبادل المنافع مع الدول والشعوب، لوقفت هذه الدولُ معنا في قضايانا، وهذا ممكن.. لأن العالمَ صغير.
والمثال الثاني: إنه لا يمكننا أن نطبّق المثالَ الأول دون أن نكون كتلة متماسكة.. مستحيل، يقول العلمُ، ويؤيدُهُ الواقع!