سنة النشر : 01/12/2008 الصحيفة : الاقتصادية
.. من أجمل إنجازات الفكر العربي: مؤسسة الفكر العربي. وحضرت وشاركت في ندوة عن التفاؤل والتشاؤم في محفل فكر-7 الذي أقيم في القاهرة، أعدته وصورته قناة "العربية" لبرنامجها (حوارُ العرب). حاول بعض المفكرين المشاركين تبرير التشاؤم، وتحيّزتُ مع أومن به، بلا شكٍّ أو وجَل: التفاؤل. تصورنا في البداية أن الشبابَ يميل للتشاؤم، ثم مع الحوار تبيّن أنهم يريدون أن يتفاءلوا، وأن التشاؤمَ هو مجرّد غبارٍ ما أن ننفخ فيه بجهودنا وهمّتٍنا حتى يبرز رخامُ التفاؤل أبيضَ ناصعاً من جديد. وشاركتني مجموعة من شبابٍ عربي بحديثٍ جانبي، ثم اقترحت شابةٌ مصرية أن يطرحوا أسئلة في الموضوع، فدهمنا الوقتُ، واقترح فتى سعوديٌ أن يكتب من تبقى منهم أسئلتـَهم، لأجاوبها ولطرافة الأسئلة، وللاطلاع على كيفية تفكير وحماسة وإيجابية الشبابِ العربي، أُشْرِك قراءَ "الاقتصادية" بأسئلتهم وأجوبتهم:
.. من سيد الطاهر- موريتانيا:
* هل التفاؤل هدف أم وسيلة؟
- التفاؤلُ وسيلة بالأقرب، فهو إعدادٌ نفسي قبل خوض أي معركةٍ من معارك الحياة.
* قلتَ إن التفاؤل يحدد طريقَ حياة، وكذا التشاؤم.. كيف؟
- أنت ما تريد أن تكون، فالمتفائلُ يركز على مخارج المشاكل، فيمكنه إيجاد وسيلة للخروج، والمتشائمُ يستغرق في المشكلةِ حتى يغرق.. ولا يحاول أن يفتح الأبوابَ المغلقة مكتفياً أنها مغلقة، فيحدّد كل منهما نمط حياته.
* هل التفاؤلُ صفة مكتسبة، أم مخلوقة؟
- رائع. لم يثبت بشكلٍ قاطع أن جيناتنا الوراثية هي الوحيدة التي تحدد نوعَ أمزجتِنا، لكن أثبتت الدراساتُ النفسية التطبيقية أن للإنسان إرادة مستقلة تستطيع أن تقف ضد مزاجه الأصلي، لو كان الإنسانُ يولد بصفةٍ مزاجيةٍ معينة.. فكلما كنتَ مستقلا بإرادتك وإصرارك بعيدا عن عبوديةِ الطبع كلما تحسنـّت حياتك.
.. ومن جابر- ليبيا:
* قلت إن مهند بودية المخترع السعودي الشاب مثالٌ للتفاؤل، لو تشاءم ما كان سيحدث؟
- رغم عاهتـَيْن أصابتاه وهما قطعُ الساق وضياعُ البصر، فقد تفاءل مهند، ولو تشاءمَ لكانت عاهاته .. ثلاثا!
* أبو العلاء المعري كان متشائما، وها هو من أشهر العرب؟
- صحيح، ولكن كيف كانت حياته هو؟ ألم يكن رهين المحبسين؟! كانت به عاهة واحدة وهي العمى، ولكنه تشاءم فحبَس نفسَه بمنزلِه وأفكاره السوداء، فكانت عاهته الثانية.. عاش ومات، بائسا!
* كيف يمكن أن أتفاءل؟
- سؤالٌ مهم وشائك. هو أن تعتقد أن لا خيارَ لك في حياتِك إلا التفاؤل، لأن التشاؤمَ سيثقِلك بلا فائدة، والتفاؤلُ لن يضر.. ولو لم يحقق فائدة!
.. ومن فدوى من فلسطين:
* هل يمكن أن نتفاءل، والأحوالُ كلها تقود للتشاؤم؟
- قولي لي: هل نحاول أن نسبح للشاطئ والموج غاضبٌ عال؟ أم نستسلم للموج؟
* كيف تريدنا أن نرى الضوءَ في النفق إن لم يكن أحدٌ قد وضع فيه مصباحا أصلا؟
- يا سلام، تصويرٌ رائع. ولكن الضوءُ يا فدوى يأتي بعد النفق.. ونورُ الشمس وضعه الخالقُ أبديـّاً.
* قد نتفاءل ونُصدَم ، لأن التفاؤلَ ليس سلاحا ولا أداة بذاته، فالمقاومة الفلسطينية تفاءلت وانظر النتائج؟
- بل أقول لولا المقاومة الفلسطينية فكيف كانت ستكون النتائج؟! التفاؤلُ هو الرؤية رغم الضباب، لم يجعل القضية الفلسطينية، رغم كل المآسي والأوجاع، حيـّةً حتى الآن إلا المقاومة.
.. ومن مريام حنا - سورية:
* أعطني مثلا غير مهند السعودي في التفاؤل أصيب بإعاقاتٍ دائمة؟
- "هيلين كيلر" الأمريكية الأسطورة، التي قالت: "الذي لا يرى التفاؤلَ في الحياة فهو لا يرى جمالَ الحياة الحقيقي، ولا روحَها، ولا رحيقـَها، ولا سرّها الأعظم.. " وكانت عمياء صماء.. وقصص الناجحين من أمثالهما بالملايين عرباً وأجانب، وأوردتُ في زاويتي "شخصية الأربعاء" أكثر من شخصية محلية ناجحةٍ بذات الظروف..
* لماذا التشاؤمُ أسهل من التفاؤل؟
- لماذا السلبية أهم من الإيجابية؟ لماذا السكونُ أسهل من الحركة؟ لماذا الجبنُ أسهل من الشجاعة؟ لماذا الخوفُ أسهل من المغامرة؟ إجابة كل هذه الأسئلة هي الجواب!
* هل التفاؤل معيار للتقدم؟
- هو باعثٌ وليس معيارا، لأنكِ آمنتِ بأنك تستطيعين أن تحققي ما تعملين من أجله فأنت متفائلة!
.. ومن هشام من المغرب:
* هل التفاؤل علميٌ أم طوباوي؟
- لا علميٌ ولا طوباويٌ، بل عمليّ.
* كيف يمكن أن يُقاس التفاؤلُ والتشاؤم، كأن تقول إن فلانا أكثر أو أقل تفاؤلا أو تشاؤما من فلان؟
- سؤالٌ عميق. أعتقد أنهما حبلُ طيفٍ ممتدِّ، طرفـُه الأولُ التفاؤل، وطرفه الآخر التشاؤم، ويكون الإنسان بينهما، فكلما ابتعد عن منتصف المسافة بعيدا عن التشاؤم قرب إلى التفاؤل، والعكس كذلك.. وقد تكون في لحظةٍ في أقصى التفاؤل ولو كنت متشائما، وفي لحظة أخرى النقيض.. ولكن تذكـّر يا هشام أن الإرادة المستقلة هي التي تجذبُ الحبلَ أو ترخيه.
.. وأروى، من مصر:
* هل مطلوبٌ من العالـَم ن يتفاءلَ والأزمة المالية ضاربة؟
- أُمـّال يعمل إيه يا أروى.. يـُلـْطـُم؟ إن العالمَ الآن يحاول الخروج من الأزمة، وهذا يعني تفاؤلا، ولقد مرّ العالمُ بكوارثٍ ماليةٍ من قبل، وخرج منها وازدهر..
* واحد فلـِّس بالبورصة وباع اللي وراه وقدامه، كيف يمكن أن يتفاءل؟
- بألا يكررها مرة أخرى. الدخولُ للبورصة كان طمَعا، وهنا يتساوى بها المتفائلُ والمتشائم.
* لما انسرقت الباخرة السعودية من القراصنة هل ستتفاءل الشركة صاحبتها أم ستتشاءم؟
- ستتخذ الطرقَ الأكثرَ أمنا احتياطاً، وستتفاءل لأنها ستستمر في إرسال ناقلاتها في عرض البحار.