خرجت من عند مجموعة الأطفال الذين شاء الله لهم مرض الرحمة (والوالدة تصر على تسمية السرطان بمرض الرحمة، فكل ما يأتي من الله رحمة).

 

وكنت قد ذهبت لهم وأنا في حيرة كيف ألقاهم؟ وماذا أقول لهم ؟ كيف أتعامل مع سناء التي أرسلت لي: «بابا نجيب وانا بسادس ابتدائي تمنيت اشوفك لان أمي وأبي يقرأون لك.. اذا جيت عندنا بحقق حلمي وكنت أبي أرسل رسالة لفريق على ناصية حلم عشان يخلوني اشوفك.. الحين لما «كبرت» صرت أقرأ لك، وأحضر محاضراتك وأتابعك على اليوتيوب».

 

بالله عليكم كيف يمكن لأي إنسان أن يرد دعوة سناء بعد ما «كبرت»؟ لا تغرك كلمة «كبرت» فتعتقد أن سناء كبيرة فعلا، فهي ما زالت طفلة بالثاني متوسط، وتعتقد أن سنتين خلتا عمر طويل.

 

هل أثرت فيكم رسالة سناء؟ إذن اقرأوا ما كتبه حمد رفع الله عنه وشفاه: «بابا نجيب، جيب معاك أمي نورة» ويعني حمد بأمه نورة والدتي أنا. وأنا سريع الدمع أنكسر كزجاج عدسة هشة، لذا لما هاتفت ذاك الشخص الذي أحب أن اسمع صوته ترددت كلماته بأذني وهو يقول: «دع اللحظة تقودك»، وكانت لحظات من الضحك ورأيت احباب الله وعائلاتهم.. وهم من أعادوا شحن نسغ الحياة بقلب كاد أن يتنشق هواء الحياة ولا يكاد يلتقطه.

 

هذا قادني لأمر مهم، وهو أن هؤلاء الأطفال يتلقون بمستشفياتنا أفضل ما يعرفه الطب في علاج أمراض الرحمة المختلفة، وأكثرهم ونحمد الله حمدا كثيرا، سيشفون ويبلّون من المرض بنِسَب تتعدى التسعين بالمئة.

 

ولكن ماذا عن بقية المرضى الذين هم بعيدون عن المستشفيات أو حتى قرب مستشفيات فقيرة الخدمات الصحية خصوصا بما يخص «الإنكولوجي» عموما، أي كل ما له علاقة بالأورام؟ سؤال أقلق ضميري لأني أعرف أن هناك مرضى لا يصلون للعلاج.

 

إذن الطب يتقدم بخدمات واسعة ويتيح تقنيات وعلاجات لأمراض الرحمة أو تحد منها بشكل كبير، ولكن المسألة ليست في العلاج المتطور، إنما في من يستطيع أن يصل لهذا العلاج!

 

لأوضح الصورة، أتاح العلاج المتقدم بالولايات المتحددة وجود ستة عشر مليون ناجٍ من المرض يعيشون حياتهم العادية كالآخرين. بينما في النيبال لم يُسجل ناجون من المرض ليس لعدم وجود علاج بالعالم.. ولكن لعدم وجوده في النيبال.

 

اعترف سعيدا وفخورا بوجود أفضل بروتوكول علاجي مثلا في تخصصي الدمام، والرياض.. ولكن علينا بصراحة كاشفة أمام الله أن نسأل أنفسنا: «هل يصل إليهما جميع المرضى؟» أو نطرح سؤالا آخر: لماذا لا تتعدد مستشفيات عبر البلاد بمستوى هذين المستشفيين.. أو أعلى؟