الرشيد: أسطورة لم نقرأ إلا سطحها

سنة النشر : 23/03/2016 الصحيفة : اليوم

 
أي مدينة في العالم لا يكون لها عراقة وأصل وبعد وشخصية بدون ناسها. وبالذات الرعيل الذي أوجد لها شخصيتها الخاصة ونكهتها التي بها تتميز وتمتاز. انظر إن ناسا متجاورين يختلفون تماما عن الجيران.
 
في العمارات ذات الشقق السكنية يسكن ناس متجاورون وقد لا يعرف الشخص من القاطن بالباب المجاور ولو انقضت السنون، فتكون العمارة لا تعني إلا جدرانا باردة تؤوي عائلة قد تستقر وقد ترحل مثل أي شيء متحرك لأن لا جذور له تبقيه وتؤصّل معنى علاقاته مع الآخرين.
 
بينما في الأحياء السكنية خصوصا تلك التي كانت منذ عقود تكون الجيرة، وتبادل العلاقات الحميمية فيأخذ الحي الشخصية ويتلبس الجيران بالانتماء وبالجذور التي تربطهم لأجيال في مدينتهم. أعود للدمام فقد كانت ترتبط بشخصيات من كبار مؤسسيها الأُوَل من قبيلة الدواسر القبيلة ذات التأثير والتاريخ العريقين في معظم الخليج.
 
ثم أتى التجار غالبا من نجد إما مباشرة أو تجار الجبيل النجديو الأصل وأضافوا نكهة لهذه المدينة التي صارت تنشأ رويدا، ثم الحجازيون بالوظائف المدنية العليا واختلطوا بنكهات موجودة، وأهل الجنوب الموظفون والعاملون الجادون في مهن مختلفة فتحركت مدينة لها طابع باسمها وانتمت الأجيال لفريقيها الرياضيين، ونبغ مفكرون وأدباء.
 
كانت هناك شخصيات أعمدة للمدينة من القسم النجدي من عوائل السحيمي والقاضي والمعجل والبسام والجميح والسعدي والعبدالكريم وغيرهم، وهؤلاء مساهمون عمليون في نقل المدينة عمليا وتجاريا.. مع بقاء الدواسر وجهاء الدمام ورمزها الأوضح.
 
بعض أولئك النجادا ظاهرون، وبعضهم متوارون. وآخر كبار تجار نجد الدماميين المرتبطين بأرضها كما وصفت انتماء وجذورا شخصية لافتة تفننت في التواري، وتخفت وراء حجاب كثيف من البساطة وهو الشيخ سليمان الرشيد الذي انتقل لرحمة الله منذ أيام.
 
سليمان الرشيد كان من أعمدة الحي النجدي الدمامي الشهير.. العدامة، ولما تنقل بقي بالدمام، والرجل أسطورة نجاح مارس معظم الاعمال من التجارة بالمال مع أساطين المال بالبلاد إلى التجارة الغذائية الواسعة والعقار ولكن بتوارٍ عجيب وبنجاح مذهل.
 
إلا أن الأهم حرصه المبالغ فيه في أعمال الخير بالخفاء، وإن ما تسرب إلينا ولا يمكن أن يعترف أو يتكلم عنه الشيخ الرشيد رحمه الله هي أعمال الخير المنتجة الواسعة التي يقضيها بإدارة دقيقة تصبغها السرية والتكتم، ونعرف فيما يصل إلينا أن أعماله الخيّرة وزكواته عمت البلاد. وأيضًا خارج البلاد في سفرات يرتبها بدقته وحرصه - ربما يوكلها لأحد أبنائه-.
 
فقدان الشيخ الرشيد والذي كان أيضا مفكرا بطريقته الخاصة وغيورا بحرصه التقليدي لكل ما يمس الاسلام واللغة العربية لن يكون فقدانا سهلا أبدا، وأرجو ألا يكون آخر الدماميين الكبار العريقين الذين أعطوا لمدينة الدمام النكهة المتصلة بوجودها، والتي أتمنى ألا تذوب وتتلاشى.
 
إن لذاك الرجل الكبير تاريخا عميقا وأثلا وحان أن يكشف أبناؤه عن أعمال الخير المنظمة والمنتظمة التي حرص عليها، لتكون اقتداء وأمثالا تضرب لغيره. ومن حق المجتمع أن يعرف أعمال شخصياته الكبرى التي تركت إرثا وأثرا للجميع.
 
اللهم ارحم عبدك العامل الطيب المؤمن الحريص سليمان الرشيد وارفعه لمقام الأبرار الصالحين. آمين.