العصامية

سنة النشر : 25/04/2009 الصحيفة : اليوم

 
.. لقد اصبح صندوقُ الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم مشاريع السيدات تأكيدا حقيقيا بان لا مشكلة بالأصل في أن يعمل شبابُ وشابات هذه الأمة، هذا من جهة، وباليد الأخرى يؤكد أن إنماءَ روح ريادة الأعمال ( العصامية) هو المسارُ المجدي لرفع ذكاء العمل عند الأجيال الطالعة.
 
ومنبعُ هذا الذكاء أن من يقيم عملا لنفسه ترتفع عنده مداركُ التنافس، وحوافزُ البقاء، وبواعثُ النماء، والبحث عن سبل التطوير، فتكبر الملكاتُ الذهنية، وترقى النوعية المرتجاة من نتائج الأعمال..
 
وفي الطريق يتحقق شيئان آخران:
 
الشيء الأولُ، أن الأعمالَ الريادية الصغيرة هي مفاصلُ اقتصاد الأمة، ورغم أنها صغيرة الحجم في رأسمالها وامتدادها الجغرافي، إلا أنها عظيمة الأهمية كعظم أهمية الشعب الهوائية المجهرية في الرئة والتي تعطي الأكسجين للحويصلات ليبدأ صنع أهم سائل للحياة: الدم.
 
وكلما كثرت هذه المشاريعُ الصغيرة كلما كان ضخ الاقتصاد العام أكثر عافية ونشاطا، وأن الذي يخلق الناتج العام الكلي عند مخططي الاقتصاد الكبير هي هذه التشكيلات الصغيرة من المشاريع التي تسقي وتستقي من روافد المشاريع الكبرى في أي أمة.
 
لذا لما قال الأمير جلوي نائب أمير المنطقة الشرقية بانها ليست صغيرة، واحتج على الصفة، فليس يقصدُ الحجم وإنما يقصد الأهمية.. فالأشياء تقاس بأهميتها، لا بحجمها، بل أن ذوات الحجم الكبير من بعض الأعمال تكون عالة وعبئا على الاقتصاد، وتبقى المشاريع الحيوية اللبقة الرشيقة السريعة المرنة هي التي تحملُ الهيكل العام.
 
لذا فإن الفكرة، اي فكرة الصندوق تنضوي على عبقرية استشرافية في إيجاد المصدر الحيوي لرفد مولد الأمة العملي والاقتصادي.. والإكثارُ من هذه الصناديق والمشاريع كفيل بنقل عناصر المجتمع – والشابات والشباب منهم على الأخص- إلى النوعية المنتجة المتقدمة في الأفكار والعطاء والنوعي. وهذه مفخرة أي أمةٍ على الأرض.
 
والشيء الثاني: كونها دليلا على أن الأفكار العميقة هي الأفكار التي تعطي هذه الحركة الفيزيائية من ناحية الدافع الحركي الداخلي، أي كأن تدفع كرةَ ثم تستمر بقوة دفعِها الذاتي، فتنمو وتكبر من تلقائها.
 
وكذلك من حيث التوالد في حل مشكلةٍ لم تتصد لها مباشرة فإذا هي كفيلة بحلها مع الزمن.. وهذا الذي قد لا ننتبه له في حل معظم قضايانا العالقة، وهو أننا نصر أن نضرب قلب المشكلة بينما حلـّها قد يكون كامناً وسهلاً وسائغاً في الأطراف، أو في تسخير البيئة الحاضنة، وهذا ما يفعله تماما الصندوق أو فكرته الأساس، فالصندوقُ يعطي قرضا ومشورة ودعما لفتاةٍ واحدة في مشروع بعينه، فإذا هي صاحبة روح عملية وامرأة أعمال حقيقية، فتبدأ بتوظيف العاملات، ورأيت بعيني كيف أن العاملات عادة ما يكن سعوديات، وهنا أيضا ينتج أمران فيهما يكمن لطافة الذكاء التكاثري والمتشظي إلى جهاتٍ عدة:
 
فالفتاة قد وظفت عدة فتيات وهذا حل سريع لإنهاء البطالة أو تقليل معدلاتها بصورة درامية، وشيء آخرمن الآلية التوالدية وهي أن الفتيات نفسهن مع اكتساب الخبرة سيشرعن بفتح أعمالٍ خاصة بهن ثم يسرن على آثار من سبقوهن بذات الآلية بالتواظيف ثم التوالد. أترى؟ أنها ما يسمونها في علم المالية تعظيم الأرباح «باللمسة الصغيرة الذكية».
 
.. لكنها لمسةٌ توقظ عملاقا.