مسئوليات الوظيفة
سنة النشر : 12/04/2009
الصحيفة : اليوم
يعاتبني صديقـُنا وأستاذنا «محمد الوعيل» على عدم تعاملي مع زيارة وزير الإعلام لجريدة اليوم، ومن حسن القيادةِ لوم وعتاب حتى أقرب الأصدقاء في سبيل مصلحة المنشأة التي تقود.
وعتبُ الأستاذ محمد الوعيل الذي جاء حاراً ليس عليّ شخصيا، ولا من أجلهِ شخصيا، ولكن باعتقادهِ أن صفتي كاتبا من كتاب هذه الجريدة يجب أن أكون مطلعا على أحداث الجريدة المميزة، وهو يتمنى أن نفخر ككتاب بما تنجزه الجريدة من مهام تستحق الفخر، وأن نقف مع الجريدةِ في المواقف التي تحتاج فيها للمؤازرة والدعم.
وليست إذن لوما من شخصه لشخصي، لأنه يتكلم بصفته الوظيفية ومسئولياتها، وليس بصفته الشخصية ورغباتها. وكان عليّ أن أتفهم ذلك، وأقبل عتباً حاراً، جاء من صديقٍ لا يعتادُ العتبَ.
وبالفعل، كان لابد ألا أغفـَل عن زيارةٍ بهذا المقام، خصوصا وأن علي من مبرّر اللوم أكثر من ذلك، وبالتالي مساحة أعذاري واعتذاري لا أحُسَد عليها.. فلا مساحة على الإطلاق. فأنا كنتُ مع الوزير بمكتبِه وهو يجدول زيارته للمنطقة، ويتأكد من وصول السيد الوعيل للمنطقة لأن الأخيرَ شرَط أن يكون متواجدا أثناء الزيارة.
وأظنني قلتُ للسيد محمد الوعيل ذلك، ليس بشجاعة الاعتراف، ولكن لأن الغريقَ لم يعد يخشى رذاذَ الماء. وأنا أقدّر فعلا أن يبادر رئيسُ تحرير الجريدة بدعوة الشخصيات الكبرى، وهذه ليست أول مرة تحضر بها شخصيةٌ كبيرةٌ لدار اليوم، بل درَج رئيسُ التحرير على أن تكون الزيارات فعالة بأن لا تكون مقضية له مقتضبة عن سواه، ليشاركَ كبارُ التنفيذيين في الجريدة، ويصرُّ أن تصل لجميع مستويات الدار، كما يتمنى بإلحاح على الكتاب الحضور والمشاركة والتفاعل وطرح الرأي.
وهنا ففي ذهن السيد الوعيل تبدو حاضرة (اليوم)، متوثقا أن مستوى زوارها من مستواها هي، وكان بإمكانه أن يجند مكانه للعلاقات الفردية أو المحصورة، ولكنها موظفة كما تقتضى مسئوليات الوظيفة وأمانتها لتبقى إضافة تاريخية وعلمية وإدارية وفنية لكامل جسد الجريدة.
وحضور وزير الإعلام في أول استلامه وزارته مع أجنداتها الهائلة التي تملأ طاولة الوزير، وكلّ ملف يتفجر متضخماً بحالِه هو التفاتة مهمة من الوزير لجريدة اليوم وأهميتها القصوى في المنطقة، وهذا ما أعلم عنه شخصيا لأني سمعتها مكررة من الدكتور عبدالعزيز خوجه، وهو يربط أهمية الجريدة مع أهمية المنطقة، في البلاد وخارج البلاد.
وكان يؤكد لي أنه حريصٌ جدا على تلبية دعوة الاستاذ الوعيل بالذات، وبحضوره! كان للزيارة إذن مغزى غير ما يطفو على السطح، فهي ليست زيارة مجاملةٍ، بل كانت كما أخبرني رئيسُ التحرير زيارة خاطفة ولكن حِرَفية الجريدة عصرتْ هذه الدقائقَ العشرين (تنقص أو تزيد) حتى آخر قطرة، فمن يرى ويقرأ نتائجَ الزيارة يحسب أنها استمرت يوماً كاملا، وانظر: فيها لقاءٌ مع رئيس التحرير، ولقاءٌ موسعٌ مع طاقم الجريدة، بل ولقاءٌ حصريٌ للجريدة مع الوزير.. كله في ومضة زمن. فأتقن الطرفان لعبة الوقت بحرفنةٍ وذكاء.
هل الوزيرُ سيعطي «اليوم» أو المنطقة أهمية خاصة؟ لا أحد يستطيع التنبؤ من الآن، ولكن كما يقال في الأمثال «الرمحُ من ركزتِهِ الأولى»، وربما هذا ما فطنت إليه الجريدة في سيكولوجية الأفراد والقيادة، فالذاكرة البشرية بتلقائية شحنها الكهربي العصبي الكيميائي تحفظ مرتكزات المشاهد الأولى في أي تجربة، أو مرحلة من مراحل الحياة، وستمر مياهٌ كثيرة تحت جسر وزارة الإعلام، وستبقى ضرباتُ المجداف الأولى هي الأوضح والأبقى في الذاكرة.
وكما ترى، التمهيدُ والتفكير بالزيارة لم يأت، حتى لو أرادوا، بما تأتي به المجاملات، وطبائع البروتوكول.. إنما من همٍّ احترافي يعني الطرفين. تحتاج (اليوم) وكتاب جريدة اليوم إلى وقفة مساندةٍ خاصة من الوزارة، فهذه الجريدة الأكثر سهولة في تناول التطوير وقبول التغيرات، ولدينا، - برأيي وأرجو ألا يكون شوفينيا- أفضل منطقةِ قراءٍ في البلاد. والأدلة يشهد بها البعيدُ والقريب.
إن (اليومَ) تقف على حواف إعلام أكبر منطقة نفطيةٍ في العالم، وبها أفضل العقول الأجنبية قياسا بباقي مناطق المملكة (حيث تغلب طبقة العمالة، والمعتمرون والحجاج) وذلك لظروف المشاريع الهندسية والتقنية والنفطية التي تملأ المنطقة، فمنطقتنا هي أفضل الجسور للتحدث للعقل والرأي العالميَيْن، وفتح مجالات التطور والتنوع والارتقاء التقني والصحفي والمهني والتحريري للجريدة والانفتاح على الجاليات، وانفتاح الجاليات علينا أمرٌ يشبه الحالة الاسترايجية.
والعناصرُ الآن متناسبة ومتوائمة ومتفاهمة ومعدَّة لقبول دواعي المرحلة والوضع والظرف، لتكون للجريدة منطلقاتٌ كبيرة من آمالٍ كبيرة، لعقول كبيرة. ومتأخراً، نرحب بالدكتور عبدالعزيز خوجه، ونقول له لقد فرحت الدار بحضورك، وستفرح بالمستقبل، فيما نأمله بإذن الله، بما ستساهمون به شخصيا في سبيل تصعيد آثار وفوائد هذه الجريدة، والتي هي جريدة أهم منطقة اقتصاديةٍ في البلاد، وفي العالم.
نطلب من السيد الوعيل العذرَ، ونسأله إن كان سيسمح لي، بعد فعلتي، في الاستمرار في الجريدة!