عقل الأمة وضميرها

سنة النشر : 24/03/2009 الصحيفة : اليوم

 
.. سيكون اليومُ إن شاء الله، الثلاثاء، هو الموعدُ المحددُ لإلقاء كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجلس الشورى بمناسبة افتتاح دورته الخامسة. وكلّ الأعضاءِ يترقبون الموعدَ للقاءِ الثاني مع الملك بعد لقاء القسم، وبرأيي أنه تذكيرٌ مهم بعد القسم لمهمة كل عضو في المجلس.
 
ولقد استأنفَ المجلسُ جلساتـه المعتادة وشكـّل لجانَه المتخصصة، وبدأت فعالياتُ المراجعاتِ والتوصيات والاقتراحات، وانخرط الأعضاءُ بأعمالِهم، وتأقلم الأعضاءُ الجددُ مع أجواء المجلس وتفهّموا آلياته وإجراءاتهِ ونصوص نظامِه، وكانت الفترةُ بين إلقاء القسم والكلمة الملكية لتكريس افتتاح الدورة الخامسة مفيدة جداً، ليكون الأعضاءُ جميعاً في تفاعل واحدٍ لمناخ المجلس، وستتأهبُ عقولٌ من نخبةِ عقول الأمّةِ لتبدأ فعلاً ماراثوناً فكرياً وعقلياً وضميرياً لمدة أربع سنواتٍ قادمة، مهمتهم الأولى والأخيرة: تقديم النصح والمشورة خالصتين صادقتين، بعد كدّ العقل وشحذ التفكير، وإعمالِ الدراسة.
 
ولكن العقول لا تقف فقط في مسألة أطر النظم القائمة، فهي بطبيعتها محلقة ومبتكرة، ومتخيـِّلة، وسيكون دأباً فكريا لدى كل عضوٍ أن يقدم إضافة ديناميكية وواقعية تضفي على المجلس مرونة أكبر في لـَمْس الحسِّ الشعبي، ونقل رغبات الناس، وعكس أمور ظروفِ حياتهم سريعاً، لتتم معالجتها تحت قبة الشورى، وتقديم النصح والمشورة لأعلى سلطةٍ في البلد في وقتها المناسب مع الرأي المناسب، هذه المرونة يجب أن تتفاعل بشكل سريع، لأن الجسدَ الهيكلي للشورى ممتاز من حيث التنظيم ووضع الأطرِ الأساسية، وطريقة النقاش وعرض الرأي ومعالجة الموضوعات من خلال اللجان، ولكن يبقى أن يشعر الناسُ نفسياً وحسياً وعصبياً أن الشورى موجودٌ معهم كل يوم، لأن المجلسَ كما يقول لي في رسالة جميلة الزميلُ في المجلس والمفكرُ الكبيرُ ابراهيم البليهي: عقلُ الأمة. وما وجدت صفة أقوى وأصدق من هذه الصفةِ، وربما سنح لي أن أضيف: «عقلُ الأمةِ وضميرها.»
 
ولا شك أن العقلَ- وأظن أن هذا مغزى المفكّر البليهي من وراء وصفه الدقيق- لا يقبل بطبعيتِه وتكوينِه ووظائفِه أن يقع أسْرَ الجمود، والرتابة، والإعادة، فهو بحتميتِه طليقٌ يدور آفاقَ التخيِّل والتصوّر والابتكار.. وحبسه في أجنداتٍ دائمةٍ ورتابةٍ ثقيلةٍ ستحبسه في قفص، ويبقى القفصُ قفصا ولو كان من ذهب خالص.
 
مجلسُ الشورى يعمل عملاً حقيقياً في تقديم المشورة ودراسة التقارير وإعطاء التوصيات، وطرح الاقتراحات وهي وظائفه الأساسية، ولكن يبقى مغترِباً بعض الشيء من شرائح في المجتمع خصوصا فئات الأجيال الطالعة، فهو يحتاج لنشر دوره بين هذه الشريحة وكل الشرائح المتلوّنة في المجتمع الكبير، وربما ليس فقط بالوصول إليهم، ولكن بإتاحة الوسائل للوصول إليه.
 
إن المجلسَ خطوةٌ كبرى للأمام، في طريقٍ مازال في بدايتِهِ، ونأمل له تطوّراً أكبر في آلياتِه ونُظـُمه.. فمن يصرّ على السير للأمام لن يضع خطوة أبداً للوراء! .