أمطار | ريما
سنة النشر : 18/03/2009
الصحيفة : اليوم
وكنا بالأمس نتحدث عن ليلةٍ سنيّةٍ في منتدى «أمطار» في الرياض، وحملة «ومن أحياها..» التي يقوم عليها طالباتُ وطلبة كليات الطب في جامعاتِ المملكة.. حتى جاء اسمُ «ريما»، وتوقفنا لنكمل اليوم.
حين دخلتُ «أمطار» متأخراً دقائق لأمرٍ مسبق، كان هناك رجلٌ صاحبُ سمْتٍ صامتٍ ومتأمل، وكأنه في يقظتِهِ انتقلَ إلى عوالم أجمل وأرحب، حتى إنك وأنت تقتربُ منه، تخاف أن تُربك سباحته في عوالمِهِ المضيئةِ البعيدة.. ولكنه فجأة يقومُ ويرحّبُ وتشعر أن الكلمات تخرج منه مفعمة، وقوية.. وصوتـُه يحمل رنة لا تحملها بقية الأصوات.
الرجلُ اسمه: صالح النيف، بلدته: الرّس، القصيم. وظيفته: معلم لغة عربية.. أهم صفاته: أبٌ لابنته كما كُتِب يوماً في شهادة عائلته، وهو يقول إنه عاشقُ ابنته، وابنته اسمها «ريما»، و»ريما» أميرة ملائكية عشقتْ أباها، كما تولـّه أبوها بها، ثم.. لا، خذوها من الأوّل.
كنا نتكلم عن شباب الطب الذين يروّجون تطوعا لحملةِ التوعية في التبرع بالأعضاء، ودار البرنامجُ وقدم الشبابُ ما عندهم بذكاءٍ وأناقةِ تقديم، ومنطقٍ سليم.. حتى جاءتْ مفاجأتُهم الكبرى: أبو ياسر.. أبو ريما.
أما «ريما» فهي بطلةُ البطلاتِ، وأميرةُ الأميراتِ، وأجملُ ما يكتنف الإنسانية من معان، عندما تقدم الإنسانيةُ للإنسانيةِ أعظمَ الهبات.. «ريما» رحلت من دنيانا هذه ولكن ريما بفضل المولى، ثم لموافقة والديها، شفع الله لهم بابنتهم، توجد سبعةُ أنفسٍ تنـسَّمَتْ رحيقَ الحياة العبـِق بعد أن كانوا يعاركون معاناةَ البقاء.. فريما هي واحدة من أعظم المانحين الواهبين على الأرض.
لذا عمَّ هذا الوجومُ ودارتْ سحابةٌ من العواطفِ الخافقةِ فوق رأس كل من حضر.. ثم بدأ الرجلُ الإنسانُ الكبيرُ أبو ريما في الحديث.. وحكى لنا معاناة ريما، واالتناول الطبي البطيء والخاطيء، حتى قدّر اللهُ أن تُصابَ بالسكتةِ الدماغية، ويقول: ولما عُرض عليَّ التبرع بأعضاء ريما لمحتاجين، أحسستُ براحةٍ نفسيةٍ وانتشاءٍ روحي كبير، فريما لم تكن بنتي فقط، كنتُ أعشقها، كانت كل حياتي، كانت صديقتي، وحبيبتي، ودمَ قلبي الذي يضخّ في وجودي..
لذا كان لابدّ أن تكتمل الرسالة لريما وأن تستمر عظمتُها، وأن أراها فيمن منحتهم أعضاءَها.. ومنهم بنت أسمها خلود، منحتها ريما كليتها فعادت صبية زاهرةً من جديد، وهي تهاتف أبو ريما كل يوم.. فتنزل ريما إلى قلب أبيها حيث سكنها الآمن الأبدي..
يقول أستاذُ اللغة العربية، بصوت متهدّج رائق فصيحٍ سليمِ الحركات، لا توقفه إلا شرقةُ الدمع بين وقتٍ وآخر: «أما أمها، زوجتي، تلك السيدة العظيمة التي تعدى حبها لابنتها قطعة كبدها، إلى الحب الإنساني.. فلم تحتج موافقتها إلا رفرفة رموش دامعةٍ لعشر ثوان لتوميءَ برأسِها بالموافقة مع بسمة الفقدان والأمل..»
هل نقول ماتتْ ريما.. أم عاشتْ سبع مرات؟ لذا لم يكن غريباً أن يقترح الجمْعُ أن يكون اسمَ ريما راعياً روحياً للحملة.. ريما.. ريما.. ولكن ينهزمُ الكلام!.