أمطار | مفيد النويصر
سنة النشر : 17/03/2009
الصحيفة : اليوم
.. ليس لزاماً أن تكون عظيماً للبدءِ في عمَلٍ عظيم، وحين تشـْرَعُ في عملٍ عظيم، عندها ستكون عظيماً. كانت ليلةُ قبل البارحةِ، بمنتدانا «أمطار» في الرياض، ليلةٌ ولا كلّ الليالي. ليلةٌ أضاءتها وجوهٌ شابةٌ، نضرةٌ، متحمِّسةٌ، ومحبّةٌ، مثقفةٌ، ومتطوِّعة..
سأحكي لكم من البداية.. جاءني صديقي الشابُ اللامع «مفيد النويصر»، وكان قد تطوّع برغبةٍ وإعجابٍ ليكون المستشارَ الإعلامي لحملةٍ شبابيةٍ أسّسها طالباتُ وطلاّبُ كليات الطب في جامعة الملك سعود، وبدأت تعمّ كل كلياتِ جامعات المملكة، وبفترةٍ وجيزةٍ تجاوز عددُهم المئات من الطوالع الزاهية الذين لا يريدون إلا شيئا واحداً.. خيرَ العمل.
طلعت فكرة سنية لديهم وهم يرون كيف يعاني المرضى الذين يحتاجون أعضاءً حيوية لتـُزرَع في أجسادهم، ليعيشوا الحياةَ مرة أخرى، فبدون هذه الأعضاء هم إما في طريقهم للموت، أو أنهم.. ميتون.
وللنقص المريع في الإمدادِ التبرعي بالأعضاء، عزموا أن يكونوا عوناً لهؤلاء المرضى والذين هم آلافٌ مؤلفةٌ من الأرواح التي تعاني شقاءَ المعاناة من مضاعفات توقف عضوٍ حيويٍّ في أجسادهم، أو أنه في طريقه للوقوف الأخير.. فعملوا على استنهاض حركة كبرى تحت عنوان:»ومن أحياها..» لتعم البلادَ للتوعيةِ في أهمية التبرع في الأعضاء عند الأحياءِ حين، لا قدرّ اللهُ، يحين وقتٌ عوض أن تضيع الأجزاءُ الحيوية تحت الترابِ، إذا هي تُحيي أنفُسَاً فوق التراب.
طلب منا السيد النويصر أن نحتضنَ هؤلاء الشباب والشابات، وقلت له: «يا مفيد.. ومن نحن حتى نحتضن؟ هم الذين يحتضنوننا ؟ بل هم يحتضنون هذه الأمة وأبناءها بهذا العمل التطوعي السامي».
وبالفعل حضر جماعةٌ من صفوة القوم واستمعوا لما قاله الشبابُ عن حركتهم الرفيعة، وردود الفعل كانت فوق كل التوقعات، فالمستشارُ الدكتور «توفيق السويلم» رئيس مجلس دار الخليج للبحوث والاستشارات وهي من أرقى دور الاستشارة في البلاد، قدم لهم خبراتِ شركته مجانا في التأسيس المؤسسي واللوائحي والمالي، وهي دراسةٌ تقتضي مئات الآلاف من الريالات، وقدم لهم حملة تبرعية كبرى سيجنون منها المدَّ الوفير بإذن الله..
ووضع الدكتورُ سعود المصيبيح كل إمكاناته واتصالاته العالية تحت تصرف الشباب، ووعد شابٌ معروف يشرف على اكبر منتدى الكتروني عربي بأن يعمّم شارات حملتهم في المنتديات والمواقع والمدوّنات.. والأستاذ المثقف «سهم الدعجاني» سهّل لهم السبلَ للالتقاء بسمو وزير التعليم ومعالي نائبه في سبيل العمل على مذكرة تفاهم بينهم وبين الوزارة، ولا يسع المقام.. على أن ليس هذا كلّ شيءٍ.. في تلك الليلةِ المنيرة بأجمل وجوهٍ تُحِبُّ أن تقع عليها عيناك.
بقيتْ المفاجأة الكبرى، والأجملُ، والأروعُ، والأمثلُ.. بقيت «ريما».. ريما التي لم يبقَ واحدٌ في المنتدى إلا وشهق بالدموع.. دموعٌ تغسل الروحَ المثقلة.. ما قصة «ريما» ملاكُ تلك الليلة؟
.. غدا إن سمحتم.