الصراصيرَ والسويسريون
سنة النشر : 14/03/2009
الصحيفة : اليوم
.. ويسمونها الكوميديا السوداء أيضا، ويسمونها ضحكٌا كالبكاء، ويسمونها السخرية المُرّة. اختر ما شئت واخلعها صفةً على ما يجري هذه الأيام بين أمانة المنطقة الشرقية، والدفاع المدني.
ولن أتطرق للقصة لأكون حكماً لها أو بها. فهي ستجعل من يتدخل فيها يغرق في حمأتها، ولا يخرج من الأذى إلا بالشقاء. ولكن الذي يخفي هذه المجادلة الغريبة التي تقع في مناطق العبث المسرحي المرير أكبر مما يجري على سطح الوقائع وما تتناقله الصحف.
لفت نظري غياب لجنةٍ للمستقبليات والطوارئ في «الشورى»، وطالبتُ بأن تدرج لجنة جديدة لذلك،أيدها معالي رئيس المجلس وستدرج في الدراسات المقبلة، وتناولتها الأنباء.
إن غياب العقلية المستقبلية أمرٌ غريبٌ في بلادنا. ففي الدول المتقدمة تكون دراسة المستقبليات أمرا حيويا واستراتيجيا، واليابان بها دراسات تصل إلى قرنين في الآتي من ضير الغيب، ونحن نتلكأ فيما سيحمله لنا الغد، بل فيما ستفاجئنا به اللحظة المقبلة. يا جماعة نحن أمة مرهونةٌ بتصرف المستقبل .. بل المستقبل القريب.
حتى الآن ليس عندنا دراسة مستقبلية واحدة منشورة عما سيصير في أفضل حال للجيل اثالث من أبناء هذه الأمة عند نضوب البترول، وكل ما عملناه من تغييرات وبدائل إنما يمثل لقيمة من لقائم النفط، أي عالة عليه.. وعندما نودع آخر نقطة نفطٍ في بلادنا، فلن تكون فقط قبلة الوداع، فقد تحمل معها قبلة الموت.. إلا إن رحمنا الله، لكن اللهَ زرع فينا العقولَ لنتدبر أمورنا بها تحت هديه ووصايته، فلن تمطر السماءُ نفطا متى انتهى النفط..
وهنا تكون دراسة المستقبل القريب جدا، ذلك المختبيء وراء الركن القريب للزمن، بالنسبة لبلادنا يفوق أهميةً الدراساتِ الاستراتيجية في البلدان التي تحترم المستقبل وتتوقع له أهمية..
لأنها بالنسبة لنا ستكون مسألة حياةٍ أو موت. نسأل الله أن يبعد الحروبَ ومشاكل الحروب وعواقبها عنا، لكن قل لي: من سلم من الحرب من الأمم، في أي زمن من الأزمان؟ ثم كيف وبلدنا يقف على حافة جُرف نفسي خطير قابل للتفجر في أي لحظة لو قام أي أهوجٍ يملك مفاتيح السلاح بإشعالها حربا هوجاء.. أليس هذا ممكنا؟ حتى ولو لم يكن هذا ممكنا فيجب وجوبا أن نتوقعه.
سويسرا لم تدخل حربا منذ مئات السنين، ومع ذلك تملك واحدا من أقوى الجيوش وأمضاها سلاحا وتدريبا، وتملك أفصل مكامن إيواءٍ في العالم، حتى قيل: لو نشبت حربٌ نووية فلن يبقى إلا الصراصيرَ والسويسريون، بينما نحن تدور عندنا هذه الملهاة : أريد مكانا.. لا ليس عندي مكان .. طيب أين أرواح الملايين؟ وهنا لابد أن نعترف بأننا لا نفتقد فقط العقلية المستقبلية، بل حتى العقلية العملية التوقعية لأحداث تجري على الأرض أمام أعيننا، ولا نتعلم منها..
الحرب التي في العراق، ألا تأتينا؟ الخلاف الذي في لبنان ألا يمتد؟ العراك الفلسطيني العربي ألا يتفجر؟ السواحل الخليجية ألا تقف على أسنة الرماح؟ ماذا نريد أكثر حتى نعي؟ هل نصحو على صوتٍ تدميري لقنبلة؟