مجلس الشورى

سنة النشر : 04/03/2009 الصحيفة : اليوم

 
..»أقسمُ بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني، ثم لمليكي، وبلادي، وألا أبوح بسر من أسرار الدولةِ، وأن أحافظ على مصالحها، وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل.»
 
يقول لي الأخ عبدالله بن عثمان المحارب مدير عام الإدارة في مجلس الشورى، وهو زميلٌ قديمٌ وهو يصاحبني مع بقية أعضاء مجلس الشورى إلى الديوان الملكي لأداء القسم أمام الملك: « إنك يا أخي عضوٌ لم تُفعَّل بعد، وبعد أداءِ القسَم سيتم تشغيلك».
 
يعني أنني الآن ما زلتُ في طور التكوين والإعداد، ومازال تعييني ورقياً لا يعمل بعدُ على أرض الواقع، فلا بد من حافزِ التشغيل، ومن طاقتِه ومن مفتاحه، ألا وهو القسَم..
 
وفي القاعةِ المهيبةِ كان بجانبي الشيخ الدكتور «ناصر الميمان» وهو معروفٌ في غزارة علمه وسعة قلبه، وكاد ينزف العرقَ وهو يتأمل القسَمَ، ويخفق كما قال لي قلبه بشدة.. ويقول: «ياله من قسم، كيف سأعيش بعد ذلك مرتاحاً ، هل قرأته؟ هل تفحّصتَ كل جملةٍ فيه؟ أنظر فقط إلى هذه الجملة ( وأن أحافظ على أنظمتها) يعني حتى لو تتجاوز السرعة القانونية في طريق عريضٍ طويلٍ خالٍ من السيارات وأنت في عجلة من أمرك، فهذا من مخالفة القسَم.. القسَمُ الغليظ العظيم..»، وعرفت أن الرجلَ العالِمَ يريد أن ينبّهني بطريقته :» إذن، فكيف باقي القسم؟»
 
.. يا إلهي! كنتُ من قبل حُرا سادراً، أتعثر كما يتعثر الآخرون، وأمارسُ الخطأ اليومي، وأبرّر ذاك وتلك، وأُرسِلُ القولَ على عواهنه، وربما تجاوزتُ حتى حدود الخطأ إلى شيء أكبر، يغفر الله لي، ولم تكن على قلبي أثقالٌ تؤسِره، ولا قيودٌ تـُقيِّد خفقاتـَه
 
.. وبعد القسم، زُرِعتْ الجبالُ فوق أكتافي، التي لم تتعوّدْ أن تحمل ولا التراب.. وتعاظمت القيودُ على فؤادي الذي كان يخفق كجناحَي طنـّانٍ طليق
 
.. عدتُ إلى مبنى المجلس مع بقيةِ زملائي الكبار، وأنظر خِلسة إلى الشيخ «الميمان» وأراه يتأمل السماءَ سابحاً في أفكارٍ ومساءلاتٍ عُليا.. وأنا أرتجفُ كأرنبٍ تحت زخـّاتِ المطر.. هل أنا خائف؟ هل أنا قادر؟ وأسئلة كالطوفان العظيم.
 
لقد نزل علي القسمُ قوياً هادراً.. وأسمع زميلاً يقول لآخر: كيف تتم الأخطاءُ وتجاوزاتُ المناصب لمن أدّى هذا القسم؟ كيف يعيش؟ وكيف يجرؤ؟ وكيف يحيا؟ وكيف ينام؟ في العودةِِ بعد القسم بدى على كل زميل كبير تغيّر واضح مع همٍّ واضح.. وتوجهنا لأول جلسةٍ.. بعد أن تم تشغيلنا! .