الحقيقة

سنة النشر : 28/02/2009 الصحيفة : اليوم

 
.. الشيء الذي لا نشبعُ منه أبداً هو الحقيقة. وأحياناً الشيء الذي لا نعطيه هو.. الحقيقة. ولا أجمل من الحقائق مهما كانت، ولا أبشع من إخفاءِ الحقائق مهما كانت..
 
إن كانت الحقيقةُ جميلة فبالإعلام عنها تصبحُ جميلة وميـّاسةً أكثر، وإن كانت الحقيقة بشِعةٌ ففي إخفائِها تُمسي بشعة ومنحرفة أخطر.. وبما أنه لابد من شيءٍ يملأ الفراغَ وهذه ميكانيكية وجودٍ، وحقيقة علم،ٍ وضرورةِ الشيء للشيء، لمـّا يفرغ مكانُ الحقيقةِ فإنه لا يتحولُ فضاءً، ولا نجماً أحمرَ يبلعُ الأسرارَ، بل سيملأه شيءٌ شديدُ الضررِ اسمه الشائعة فتلوي الأخبارَ..
 
ومن يقول الحقيقة سيحترمه الناسُ للحقيقةِ نفسها ويفصلونها عن الفعل، ومن يخفي الحقيقة فسيكون مُلاماً ولو كان الفعلُ جميلاً.
 
ومتى كانت الحقيقة تمسّ أمناً وطنياً فلا أرى إلا أهمية الإفصاح عنها حتى يمكننا تجنب أسباب حدوثِها في المستقبل، ونقللُ فرصَ أن تصل شرارةُ الفتيلِ إلى مفتاح التفجير.
 
وعندما تخاف وتحب بلدك فلا بد أن تفصح عما في قلبك.. وهأنذا أفتح قلبي بقلمي: لقد دارتْ في الصحفِ ووسائل الإعلام بالخارج وبالانترنت عن بعض الحوادث ,وأرى أن من الخطر جدا التعتيم عن هذه المواضيع ، فالتعتيمُ لم يُعَد أمراً كأن تـُخفي سرّاً ثم يبقى سراً ..
 
يا ليت ! بل أن في هذه الأيام لا يخرج للإعلام الكوني المفتوح إلا ما يُتوَقع أن الإعلامَ الرسمي سيمنعه، وسيخرج عن طريق أفرادٍ عاديين بأياديهم جوالات مزوَّدة بآلاتِ تصوير، ويملكون منفذاً للانترنت، وهذا يكفي أن يجول الخبَرُ في كل الدنيا، ولكن لن يخرج إلا برأي وعواطف من صوّروا ومن كتبوا، وبالتالي ستصل المعلومةُ للعالم، ولنا في الداخل، وهي موسومةٌ بشكلٍ آخر.. مع، أو ضد.
 
وعندما تنعدم الإشاراتُ التي تدل على طريق الحقيقةِ، فسيعمد الناسُ لطريق الشائعةِ، والشائعةِ أخطر سلاحٍ يوجَهُ ضد صدر أي فردٍ، وأي مجتمع، وأي أمّةٍ، واستدلّ بقول المفكرِ والشاعر الألماني «جوهان فون تشيلر» الذي قال لنا، قبل أكثر من مائتي عام:»لقد أيقنتُ أن الجواسيسَ ومروِّجي الشائعات أكثر ضرراً على أي أمّةٍ من وعاءِ السمومِ، أو خناجر الاغتيال..» فكيف إذا انبعثتْ الشائعةُ من وسط دخان وقائعٍ على الأرض؟! في عهد الإعلام المفتوح أرجو أن تـفهم صناعةُ الإعلام في بلدنا أن الأسرارَ انقرضتْ كما انقرضت الديناصورات، ولن تعود.
 
والرأيُ والحكمةُ هي السبقُ في نشر الأحداث وتفسيرها حال وقوعها، قبل أن يتصيدها آخرون، حتى لا يكون حينئذٍ أي تصـَدٍّ أو نفيٍ أو تكذيبٍ، ومن غير قصدٍ طبعاً، عبارة عن تعزيزٍ وتوثيقٍ لأي شائعة!.