طاش ولا ما طاش

سنة النشر : 25/02/2009 الصحيفة : اليوم

 
"القصيبي" أشهرُ اسمٍ عائلي، على الأقل بالمنطقةِ الشرقية، ومن أعرقِها سمعة.
 
ظهرَتْ بيوتٌ تجاريةٌ واختفتْ، وبرزَ أشخاصٌ كالفوراتِ الناريةِ ثم انطفأوا، ويبقى اسمُ القصيبي مرادفاً لصيقاً للتجارةِ والصناعةِ والخدمات.. ويستمرّ اسماً نظيفاً لم نسمع عنه ما يسيئه..
 
ولم تدخل العائلة في فوراتِ الفرص، ولم تغيّر لباسَها التجاريَّ حسب المزاج السائد، فلم تضارب في الأسواق ولم تتسيّد في العقار، وكان بإمكانها أن تفعل خصوصا وأن لها خبرات عريقة في المضمارَيْن، ولكن للعراقة معنى وهو التمسك بالجودة، والتشبث بالسمعةِ، والحفاظ على الطراز، وخلق الصورةِ في ذاكرة الجمهور، ولم نر أنجح من عائلة القصيبي في ذلك، ولِدْنا ونحن نسمع الأسمَ رنـّاناً كالمعدن النفيس، وربما يأخذ اللهُ الأمانة واسم القصيبي يبقى كما يتجاوب عبر الزمنِ ذاك الرنين.
 
كثيرٌ من أهل المنطقة يعرفون قصة نجاح العائلةِ التجاري، ويربطونه مع أول مصنعِ مياه غازية لأكبر اسم كونيٍّ لهذه المشروبات. وانتشرت بيننا ونحن صغارٌ مباراة «طاش ولا ما طاش» بعد خض قارورة البيبسي، ثم فتحها، على أن الاسمَ «القصيبي» لم يطشْ يوماً، ولم يتوارد إلينا عن أيٍّ من أفرادِ العائلة ما يتواردُ من خروقاتٍ أو تصرفاتٍ نسمعها من أسماءٍ تجاريةٍ لامعةٍ من حينٍ إلى حين، بعضها تصرفاتٌ يعرقُ لها جبينُ الشريفُ، فيلطخون اسماء عائلاتهم التي بُنِيـَتْ بالكدّ والجهدِ لسنين وسنين.
 
ونسمع ما يدور في المجالس وفي الصحفِ، والآن في الانترنت عن قصصٍ صحيحةٍ أو مبالغ فيها عن تصرفات تجّارٍ جشعين أو نهّازي فرص، إلا أنني لا أذكر أني سمعتُ أو قرأت ما يسيء لهذه العائلةِ من قريب أو بعيد، فأعتبرُ ذلك، مطمئناً، إعجاباً جماعياً بهذه العائلة التي تعتبر مِن أول مَن سكن مدينة الخبر فساهمت في تطويرها، وبقيت بها، بل بقيتْ في منطقةٍ واحدة منها لم تغيرها من عشراتِ السنين.. وما زالتْ.
 
الجيلُ المؤسّسُ لأعمال هذه العائلة التي بدأت في عملٍ صغير، وتناهت إلى مجموعةٍ من الشركات العملاقة في الصناعة والخدمات كان آخر أعضائه الشيخ سليمان القصيبي، الشخصية الاجتماعية الهادئة المنفتحة، والذي وضعَ البصمة النهائية على الطبع القصيبي في سجل الأعمال، وعرف أن يسخـّر المال لأجل خدمة المجتمع المحيط.. هذا الرجلُ المتعددُ المواهب والهوايات بقي قـُصَيْبيا أصيلا حتى النخاع.. فهذه العائلة بدأ مجدُها بها، ولم ينتهِ المجدُ إليها.. وعلى الأجيال القادمةِ من آل القصيبي أن يعلموا ذلك جيدا، ويضعوه في أولِ اعتباراتهم أينما حلوا، وأينما وصلوا.
 
وأنا متأكدٌ أن الجيلَ الثاني سيحرص على أهم ثرواتهم، ثرواتٌ ليست في البنوكِ ولا بالمصانع ولا بالأساطيل، إنها في اسمهم.. وسيحرصون بإذن الله على سمعة الرجل الخير الناجح سليمان القصيبي بمتابعة أعمالٍ خيرية باسمه وعائلته.. ولكم تمنيتُ، من أجله، واللهِ قبل كل شيء، أن لا تـُهدر الأموال بالإعلانات العزائية، وأن تـُجمع وتبذل في عملٍ خيري.. فهذا ما سيسعدُ الراحلَ في قبره أكثر من أي إظهار وإشهار.
 
لن يكون الفراغُ صغيراً ذاك الذي تركه خلفه «سليمان القصيبي».. بل لن يترك فراغا في الأصل، فلقد عاش ليملأ الفراغ، فتركَ بعد رحيله الامتلاء. لقد عمل الشيخُ «أبو داود» لتأسيس سمعته، ولما أسّسها فإنها، بعد رحيلِه، ستبقى تعمل من أجله.
 
اللهم نسألك أن ترحم عبدَك سليمان، وأن تفسح له برياض فراديسك..
 
آمين.