العقل والثقة

سنة النشر : 17/02/2009 الصحيفة : اليوم

 
.. الثقةُ من أسمى القراراتِ التي يتخذها أي شخص بملكته العليا : العقل!
 
والثقة عندما تمنح لأي إنسان فهي كأفضل شهادات السلوك التي ينالها في كلِّ حياتِه. فالمرأةُ التي توافق على رجل بالزواج منه أكرمته فوق التصور، فهي وثقت فيه فأعطته أكبر أمانة : حياتها.
 
وعندما يأتمنك شخصٌ على مال أو وصية على أولادٍ فهي شهادةٌ بأنك تساميتَ بأعمالِك وسلوكك فنلتَ ثقته بقرار من أهم مصادر القرارات وأدقها : العقل.
 
والثقة توهب للمحبوبِ وغير المحبوب، لبعيدٍ أو لقريب. بعد تمحيصٍ وإجراءٍ عقلي منطقيٍّ ومنتظم .
 
أما قرارُ الحبِّ فهو قرارٌ لا يملكه من يحمله لأنه مدفوع بقلبه ، والقلبُ لا يفكر ولا يتأمل ولا يختار بعناية. إنه جموحٌ إما بالعاطفةِ فنسمع قصص العشاق التي يراها البعض من الحماقات، أو من التضحيات، وكلها قراراتٌ قلبية في سموَّها أو في وضاعتها.
 
الحب يعصف بأبواب القلب ليغرس أعلامَه .. صحيح. وهو غريزيٌ بلا سؤال ولا سبب إلا بدافع ما غرزه الله في عاطفةِ الإنسان كحبّ الأم والأب لأولادهما، وحبّ الانتماءِ لطائفةٍ أو أرض.
 
والحبُّ ـ كما في الأمثال ـ أعمى، والثقةُ لابد أن تفتح عينيك في أقصاهما. والحبُ العاطفي مثل من يمتطي حصاناً شموساً غير مروّضٍ فهو في صعودٍ ونزول، وفي ثورةٍ دائمة، وفي الثقةِ يكون القرارُ كركوبِ خيل إيقاعٍ رفيعِ التدريب، مهذب الحركات، صقيل اللمسات، لذا يتطلب الحبُ من الوقتِ والتفكيرِ والقرار: لا شيء.
 
وتتطلبُ الثقة من الوقتِ والتفكير والرويةِ والقرار : كل شيء! وللملك عبد الله خطةٌ كبرى للنهوض في البلاد، ولم يستعجل في طبخها على نيران تتلظى، بل راح يديرُ المكوناتِ بهدوء، ويرسُم المذاقَ والمكونات على أرضيةِ المحبة وهو يحتاج إلى الموثوقين من العاملين لإخصابها وإنمائها.
 
إنه كمن ركبَ تلاًّ ويرى القادمَ من بعيدٍ ويطلب استعداداً له من اللحظة، وإن لم يرها من هم في السهولِ لا تنفسح أمامهم شساعة الرؤية للبعيد، ويدرك بحنكته ومعرفته الدقيقة لأهدافه أن الموردَ الإنساني السعودي هو الذي يجب أن يتصدّى للمستقبل، ولكي يكون الوصولُ لمحطات المستقبل مأمونا فإن الحاضرَ يجب أن يكون الجواد المدرب الذي سيوصل راكبـَهُ بأمانٍ ويُسرٍ وذكاء، وألا يكون الحاضرُ حصاناً غضوباً يطيحُ بصاحبِه فيعلقُ بمكانه.. فكيف يصل للمستقبل؟ وهنا تكون الحاجةُ للإنسان القادر، الذي يكون مؤهلاً، قبل مهاراتِه وعلمهِ وخبراته، بصفة الثقة، فهي الباقةُ الضامّةُ لباقي الصفاتِ والمكتسبات.
 
ولا أشك في أن اختيارَ أصحاب المناصب والمراكز في التغيير الأخير كان شاقاً وطويلاً ومُضنيا. والرسالة ـ كما أرى ـ من عاهلنا وسمو نائبه الأمين، ليست فقط أن يكون من نالوا الثقة أهلا لها فقط، فإثباتُ ذلك من قبيل البداهة أو الطبع، لكن لأمر أوسع تطبيقا، وأعلى هدفا.
 
فالرسالةُ الأهم :»لم نختركم لإنجازاتكم السابقة فقط .. لكننا اخترناكم كي تتفوقوا عليها!».‏