أحَدية الفردوس
سنة النشر : 08/02/2009
الصحيفة : اليوم
.. لابد أن نتعلمَ من هذا التقدم والتطور الكبيرَيْن في التاريخ الإنساني، والذي نراه الآن كحصيلةٍ عاديةٍ وبديهيةٍ، وهما لم يصلا إلينا إلا بعد أن قدّم الإنسانُ التضحياتِ، وقام بتخطيط مصيره، قبل أن يخطط مصيرهُ له..
فالعبودية اختفت الآن عن وجهِ الأرض في الأغلب، ومن يعش الآن يرَ أن عدم وجود العبودية أمرٌ طبيعي، ويؤخذ بالبداهة الأولى، ولو غاص في التاريخ قليلا لعرف أن العبودية رحلة إنسانية طويلة وغارقة في أعماق الزمن، وأنها مكتوبة بالدم والعذابِ والقهر.. قهرُ الإنسان للإنسان.
وهذا لم يجرِ كما تجري المياهُ بين الضفاف، إنما حُفِرَتْ له المساراتُ الجديدة إما بالأظفر المخلوط بالدم والألم، أو بخلق مجتمعاتٍ جديدة، أعيد تخطيط مفاهيمها من جديد.. لذا قلت في صالون «أحَدية الفردوس» والتي يملكها السيد «خالد مالتقيتو»
المثقف العامل: «لقد فوتنا علينا كأمةٍ ومجتمع تجربة الجبيل الصناعية من الناحية البشرية. وصحيح أن الجبيلَ الصناعية مدينة قطعة من التحف صناعياً وتخطيطياً ، ولكن هل هذا يكفي.. إن لم نخطط للبشر ؟ لا بالتأكيد.. لقد شـُيِّدَت في الجبيل الصناعية البنى التحتية والشبكات التجهيزية بأعلى شرط ٍعالمي، ولكن ونحن في الإجراءِ نسينا ان هناك بُنية تحتية أهم وأجدى وأكثر بقاءً: البنية الاجتماعية.
وأخبرك عن مثـَلٍ يتغنى به أهل «سيام» في استدلالاتهم عن ضِفدعين، وهم مشهورون بأكل الضفادع ويقدمونها كحُليةِ أطباقهم.. الضفادع تقفز وهذا من تكوينها، فيقال إن فلاحا أخذ ضفدعا ليأكله، وفعل مثله صاحبه.. صاحبنا سخـّن الماءَ حتى غلي، ووضع به الضفدعَ، فقفز قفزة أكبر من قفزاته المعتادة وهرَب.. وضاعتْ الوجبة..
بينما الآخرُ وضع الضفدعَ في ماءٍ عادي ثم بدأ بتسخينه تدريجيـّاً حتى استوى الضفدعُ ناضجاً للآكلين.. والمجتمعاتُ الصغيرة، عندما تضعها في مكانٍ جديد بدون إعداد وتدريج تعليمي سلوكي فإنها تقفز أكبر إلى مستنقعاتها القديمةِ من الطبقية والقبلية والانتماءات الضيقة، فيزداد التشرذمُ ويتكثفُ العداءُ، وهذا سرّ أن الأقليات تكون أقوى في الخارج مما هي عليه في بلادها.. إنه التركّز.
وهذا للأسف الذي صار في الجبيل الصناعية، ويصل للكُتـّابِ كثيرٌ من الشكاوى من فئةٍ تقول إن الفئة الأخرى استأثرَتْ، والفئة الأخرى ظـُلـِمَتْ.. ولم تعد تسمع بينهم صفة السعودي، وإنما صفة الفئة.. وهذا لا ينذرُ بخير.
كما ان الجبيل العتيقة ليست على صداقةٍ مع الجبيل الصناعية، فإذا هما برزخان لا يمتزجان، جزيرتان لا قنطرة بينهما، ولأن القنطرة غير موجودة، ولأن البرزخـَيْن لم يتمزجا، فالذي يتصاعد في أجواء المدينتين هو شيءٌ نقيضٌ للصداقة والتواؤم. وما زال الحلُّ موجوداً، كما توصلنا معا «بالأحَديّة»، وهي بذاتها رسالة لخروج الجبيل الصناعية من حدودِ مضائقِها للمجتمع المفتوح..
رأينا أن تشكيل فرق «أولاد الجبيل وبناته» ستكون أملاً تتعلق به وإليه المدينتان، فللشباب خاصية التواؤم والقبول والتطبع بنمط سلوكي وعُرفي جديدين، والفرق من المدينتين..
ربما، الذي فات الجيلَ الحاضر أن يناله، يمكن للأجيال القادمة أن تحصل عليه.. لتعيش الأجيالُ القادمة بالبديهةِ مجتمعاً واحداً بانتماءٍ واحد.. لهدفٍ واحد.