محاضراتِ الإعداد النظري
سنة النشر : 27/01/2009
الصحيفة : اليوم
.. أفضل وسيلةٍ لتعرف الطريقَ الذي ستذهب إليه اسأل العائدين منه..
هذا ما فهمته من النظرة العملية الاستراتيجية للدكتور «علي الغفيص»، الذي أضاف كلمة «التقنية» لمعاهد التدريب .. فاتحاً طريقاً جديدا للشباب ، بعد أن رأى حالَ العائدين من الطريقِ القديم، وقرر أن الطريقَ للمستقبل يبدأ بالاستفادة من تجربة الأخطاء، لا تجربة الخبرة..
الساعاتُ التي قضيتها مع الدكتور «علي الغفيص» محافظ المؤسسة العامة اللتدريب التقني ، كانت غنيةٍ برؤاها، وبتجاربها، وبتطبيقاتها . لقد عرفَ الغفيصُ ورجالـُه أن أولَ الطريق للحل هو التشخيصُ الصحيح، والمصارحة في الانتقال من التنظير إلى المهارةِ العملية.. ومن فرط ما كرّر جملة «التجربة العملية» حسبته سيمزق شهادات التنظير. إنه رجلٌ لا يعترف إلا بالقياس الواقعي وراء الآلة، تحت سقف الورش والمعامل.
وفي هذا الأمر لاقى عنـَتاً، وسيجابه الكثيرَ في المستقبل، وتفهم ذهنيته العملية أن من يرصف طريقاً سيواجه معاناة إزالة الصخور.
كيف اروي ما رأيته في الساعات التي قضيتها مع الدكتور الغفيص، ولو بيدي لما رفعت الحرفَ عن الورق في وصف شعوري، وغبطتي، وأنا أرى شبابنا يحترفون المهنية والانضباط والسلوك، وكنا نمر عليهم وحولهم، ولم يلتفتوا لنا، وكأننا أشباحٌ تمر في ممراتٍ لا يرانا أحدٌ، لأنهم غارقون مستغرقون في أعمالهم..
رأى الدكتور الغفيص أن محاضراتِ الإعداد النظري لن تقودَ إلاّ إلى طرٍيقٍ عاد منه كثيرون كما راحوا.. لذا خالط المدربون اليابانيون الشبابَ على رأس العمل في مواقع التدريب، ولن تشعر أنها أصلا أماكن للتدريب فأنت تدخل ورشاً ومعاملَ حقيقية.. وفطن أن السوقَ لا يطلب التعاطف مع العامل السعودي، بل يتطلب عاملـِين جادين ماهرين، يتمناهم رجالُ الأعمال، ولا يُفرَضون عليهم..
يعرف الغفيصُ أنه لا يتخرج من المعاهد الجديدة الملفتة بترتيبها ونظافتها وحسن هندستها ومرافق توزيعاتها إلا ما يقارب الخمسة وعشرين ألف متدربٍ حقيقي، بمهاراتٍ حقيقية بانضباط سلوكي حقيقي، وهذا عددٌ قليلٌ.. ففي عقدٍ من الزمن لن يتجاوز الخريجون الربعَ مليون، بينما بيننا الآن ما يقارب الأربع ملايين في سوق العمل الفني.. ولكنها مسألة إثبات لمبدأ يؤمن به الغفيصُ وفريقـُه، أن بمشاركة القطاع الخاص، ونقل ثقافة العمل بالمرافقة المباشرة من مدربين متمرسين من أكثر دولة، وبتعليم الإنجليزية المتخصصة بواسطة معلمين تكون الإنجليزية لغتهم الأصلية، فإن الشابَ السعودي سيبدع ويتفوق..
بقي أن تعرف أن كل متدربي المعاهد التي زرناها هم من الآن بعقود عملٍ مع شركاتٍ كبرى..
والسرُّ يكمن بعقليةٍ لم تتوقع أن تكون الأمور سهلة، بل تنحتُ الطريقَ نحتا ليأتي من بعدها ليسلك مساراً سهلا، عقليةٌ لم تأمل بتحدياتٍ أقل، بل إلى واقعيةٍ أكبر في مواجهة التحديات.
إن ثبت أن ذاك هو الطريقُ الصحيح، فلنشمّر عن سواعدِنا لبناءِ أكثر من طريق..