الخسائر
سنة النشر : 24/01/2009
الصحيفة : اليوم
.. المسألةُ ليستْ مزاحاً. في المنطقة الشرقية أكبر نسبةٍ من حاملي ظاهرة فرط الحركة وتشتت الانتباه.. وهم أولادُنا وبناتنا، حوالي عشرين من كل مائة من أطفالنا مصابون بهذه الظاهرة، يعانون الأمرّين، من أهلهم، ومن مدارسهم .. بسبب الجهل العميق بهذه الظاهرة.
والأهلُ والمعلمون والمعلمات لا يحملون وزرَ الخطأ وحدهم، فهي قضية يتحملها كل المجتمع بلا استثناء.
ويجب أن نتحرك الآن .. وإلاّ قد لا نتحركُ أبدا. علينا أن نتحرك الآن لأن الظروفَ مواتيةٌ أكثر من أي وقتٍ مضى، وربما أكثر من أي وقتٍ سيأتي.
فلقد اجتمعت عناصرُ يجب أن تـُستغـَل، وتـُستثمـَر من أجل التصدي لهذه الظاهرة التي تصيب الأطفال، فإما أن نجعل منهم موهوبين، وهذا من أهم القيم المضافة للمجتمع، أو بإهمالنا، وسوء معاملتنا لهم، نصنع منهم أفـّاقينَ، ومدمني مسكراتٍ ومخدرات، وجانحين ..
وهذه أهم خسائر تصيب أي مجتمع. كتبتُ عن هذا المرض منذ ثلاثة أشهر، وجاءني في البريد أكثر من مائة رسالة يشكو أصحابُها من أن أبناءهم مصابون بالظاهرة، فقـُلِبت حياتـُهم علقما وآلاما وغضبا وحزنا، ولا يدرون كيف هم عاملون، فلا مراكزَ رعاية، ولا أخصائيين، ولا مدارسَ مهيأة، ولا هيئاتٍ تعليمية واعية بالظاهرة ..
ويعجب المرءُ كيف يمكن أن تـُتركُ ظاهرةٌ بهذا الحجم ، تكبر وتنمو دون أن يلتفتَ إليها أحدٌ حتى الآن.
و»سعاد يماني» لم تقف، وهي طبيبة متخصصة في أعصاب الأطفال، ولم تقبل الوضعَ، ولم تقتنع أن ترى فيلا هائلا يهرس تحت أقدامِهِ الغلاظ مصيرَ الأطفال ولا يريد أن يلاحظه أحد، ولا يوقفه أحد .. فهي تراه، وتحاول المستحيل، وأكثر قليلا، لأن تشير للناس : «يا ناس يا هوه .. ألا ترون فيلاً يسدّ النظر؟».
وسعاد يماني تصدت للظاهرة، وأوجدت مع فريقها جمعية «دعم» لظاهرة فرط الحركة وتشتت الانتباه، وكبرت في الرياض وفي جدة .. وأخبرتنا، في ندوةٍ أقامها السيد سلمان الجشي مساء الأربعاء الفائت، الذي قرّر أن يساهم في إيجاد فرع لها في منطقتنا.
إنها الوحيدة التي حصلت على توكيلٍ من جمعية أطباء الأطفال الأمريكية لتمضي في عملها المهم، متعهدين لها بالمساعدات العلمية، وهي إذن ليست رائدة في المملكة، بل على مستوى العالم العربي، وهذا ما قاله لها مسئولو الجمعية الأمريكية.
في تلك الأمسية تمنيت حضور اثنين مهمين كانا سيوفران للفرع المعزوم تأسيسه الدعمَ الصحيَّ الرسمي، والدعمَ اللوجستي والطبي والعملي .. وهما السيدان مدير عام الشئون الصحية، والمشرف العام على مستشفى الملك فهد التخصصي .. والأخير محالٌ في الأصل من تخصصي الرياض حيث أُسِّسَت وكبرت مجموعة دعم فرط الحركة، ومؤهلٌ ليقدم الكثير.. على أنهما لم يحضرا لأسبابهما، و أكيدٌ من أن الفرصة لا تضيع، وسيكونان على استعداد لعمل الكثير من أجل أولادِنا.. أغلى ما نملك، لذا كان الاجتماعُ ناقصاً بدونهما .. ومـَلْءُ النقص متاحٌ، ولو بعد حين!