العالمَ الرقمي
سنة النشر : 26/11/2008
الصحيفة : اليوم
الانترنت على رأس هرم المعجزاتِ العلمية التقنية في القرن الواحد والعشرين.
بفضل الانترنت تم اختصار الأرض مسافة وزمناً، ووفر معلوماتٍ لم تـُتح لأكبر مخيلاتِ مؤسسي المكتبات الكبرى من أيام البطالمة، حكام الشمال المصري الذين كانوا وراء تأسيس مكتبة الإسكندرية، أكبر مكتبة في العالم المعروف آنذاك، إلى مؤسسي مكتبة الكونجرس الأمريكية فخرُ مكتبات العالم المعاصر.
معلومات الانترنت ستجعل، في يوم قريب، من العبث إنشاء المكتبات العامّة بنمطها التقليدي، وستشهد ثورةً في المعمار والتناول والتبادل حول العالم، وستبقى المكتباتُ التقليدية مراجعَ لزمنٍ مضى، وللحفاظ على شيءٍ من أقانيم التاريخ. كل من لم يصعد موجة الانترنت العالمي، كل من لم ينطلق في الطريق السريع الكوني للعالم الافتراضي، سيبقى مرشحا ليكون أيقونة من التاريخ.
إنه العالم الرقمي يسمونه، وأحيانا الافتراضي، وأحيانا الالكتروني، وكله حمل المعني، ولكن لا يصل لشرح العمق والتوقع والضرورة. وغريبٌ أمرُ هذه الضرورة النسبية التي تبدأ كحلم بعيد، ثم كشيء جمالي كمالي، ثم تتحول إلى لازمة حياة، كالسيارة، والثلاجة، ومن كان يتصور فقط في أول تسعينيات القرن العشرين أن الهاتفَ المحمولَ سيصير من الضروريات.. على أن الانترنت بوسائلها ستكون شيئا غير الضرورة، إنها مبرر للبقاء والنمو في القرن الحالي.
لذاـ أدعو إلى أن ندخلَ العالمَ الرقمي، لا أن تأخذنا دوامته فنضيع، بطريقتين، وأرى أنهما لا بد أن تبدآ بأسرع وقتٍ، والمفروض أنهما بدأتا. وأن نبدأ الآن خير من أن لا نبدأ.
الطريقة الأولى: إدخال التعليم بالانترنت للمدارس الحكومية، بإنشاء وحدةٍ إداريةٍ مستقلةٍ، وغير مركزية للتعليم الالكتروني تبدأ في وضع مسح سريع، لا دراسات ولا خطط، فالوقتُ لا يتيح، ولا معنى لأي دراسةٍ لأن الفائدة المرجوّة لا يختلف عليها أحد، ولأن تطبيقها أمرٌ فنيٌ بحت. هذه الوحدة المستقلة، وإن كانت تتبع السلطة التعليمية في البلاد، يطلق عليها مسمى: «إدارة التعليم المعلوماتي».
وحين تكون الطريقة الأولى هذه هي إدخال الوعي الرقمي للمدارس، تكون الطريقة الثانية هي إدخال المجتمع للوعي الرقمي.. على أن موضوعنا اليوم سيقتصر على الطريقة الأولى، حتى تسنح فرصة ملائمة لاستعراض الطريقة الثانية.
لا عيب مطلقا أن نعترف بأن ركبَ التعليم الالكتروني قد تعدّانا، ولكن العيب أن نعلم ذلك ولا نعمل للحاق به، والجميل في أغراض التقنية الجديدة أنها سريعة، ورشيقة ومنطقية، وسهلة، وسريعة التطبيق، وثمارها سريعة الحصاد.. إن اختصار الوقت، وتركيز المعلومة، وشائقية التعلم بالانترنت، لا أجد صفة أكثر من «هائلة» لألبسها إياها.. ولأنها تسمى أيضا التقنية الذكية، فهذا يعني بوقت لمّاح رفع مستوى ذكاء الأداء التعليمي بجميع أطرافه، وليس فقط التلاميذ.
خطوة مثل هذه ستكون قياسا إلى سهولة تكلفتها وإدراجها النسبية خطوة عملاقة لتنميط الصناعة التعليمية حتى تؤهـَّل لنادي القرن الجديد ضمن عناصره الفاعلة..
لا نغفلُ أن صعوباتٍ لوجستية ومناطقية ستطفو فنيا لربط المدارس الحكومية بالانترنت، فمكونات الربط مع الطريق السريع أو العالم الافتراضي، وهي العمود الفقري لهيكل المشروع من خطوط الهاتف، وكابلات التلفزيون، والحواسيب، والربط بأقمار الاتصال، وشاشات الفيديو في الأطراف، والإمداد الكهربائي تتفاوت صعوبة من منطقة لأخرى، ولكنها ليست مبررا مانعا بأي صورة.
كل ما علينا هو أن نعمل بالقول الذي طالما سمعناه بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوةٍ واحدة.. إلا أن طريقَ الانترت أقصر من ذلك بكثير! .