العواميةِ

سنة النشر : 11/11/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. ربما يذكر بعض القراءِ عندما تحدثنا عن مساكن الصفيح في العواميةِ، من أعمال القطيف، وكيف أن الذي أدرج الموضوعَ صرخة من المهندسة «منال الحبوبي».
 
ولقد جرى الكثيرُ من الماءِ تحت الجسر منذ ذاك الوقت. تحمس أصحابُ الخير والضمائر للموضوع، وعمِلتْ المهندسة جاهدة لتحقيق حلم إنساني لإخوانها الذين تشويهم مساكنُ الصفيح في الصيفِ وتجمّدهم في الشتاء.. تحت مظلة جمعية العوامية الخيرية، وخيِّرين.. وتخبرني المهندسة منال أن الحلمَ بدأ يتحقق، وأن منازل تبنى الآن من التبرعات، كما أن منزلين الآن على وشك الانتهاء.. وهذا أول الخير.
 
نقول أول الخير لأن الخطة بعد لم تكتمل، فهناك الكثيرُ يُعَد الآن، وكما يقول الإنجليز: «ما زال الطعامُ في مرحلةِ الطبخ». فالجمعية لم تـُنهِ الخطة الأساسية، وننتظر أن نجتمع معا لوضع خطة مستقبلية وكاملة، والتأخير في انعقاد الاجتماع ليس منهم، ويمكنك أن تخمّن من هو سبب التأخير حتى الآن.. كاتبُ هذه السطور.
 
وعلى بعد كيلومتراتٍ قليلةٍ طبخةٌ أخرى توشك على النضوج، ففي تاروت مشروعٌ سكني أظنه حوالي أربعة عشر منزلا كمرحلةٍ أولى، ايضا من أصحاب الخير، وهذا سيحل مشكلة ليست صغيرة أبداً بالنسبة لحجم تاروت.. إن الشكوى، وانتظار «جودو» أن يأتي ( وهو بطلُ مسرحيةٍ عبثيةٍ لصموئيل بيكيت ينتظر فيه بطـَلا المسرحية «غودو» غير أنه لا يأتي أبدا..) والبكاءُ في انتظار أملٍ ينزل من السماءِ لا يُجدي، كما أن الاعتمادَ على الخطط ِالرسمية وحدها لم يكن كافيا أبدا في أي نظامٍ دولي، بدون مساعداتٍ قويةٍ ومؤثرةٍ من قطاع العمل الخيري والتطوعي.
 
الفقرُ يزيد في مجتمعنا، وليس مناسباً الآن مناقشة الظروفِ والأسباب، ولكنه حقيقة ظاهرة للعيان.. وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بالنواحي، ولا يكفي أن نلومَ ونشتكي، أحيانا يجب أن تحك جلدِك بظفرِك، ولا تنتظر أن يحكه لك الآخرون.. طالما أنك تملك اليد.
 
ويجب أن نعرف وأن نؤمن بأن الفقرَ بضررٍ متعَدٍّ، وليس بأثرٍ لازمٍ ساكن.. فالفقرُ يسري كالداءِ، ليس فقط بردائِه الرثِّ، ولكن بآثاره السالبة على بقية المجتمع.. يعني طالما أن هناك فقرا مدقعا، فلابد أن تتوقع منطقا وواقعا من تفشي أمراضٍ اجتماعية معروفة وستمسّنا جميعا.. إن تجفيف منابعَ الفقر كتجفيف مستنقع يتكاثر به البعوضُ، فالبعوضُ يجول في كل مكان ويلسع كل من في طريقه بلا تفريق بين فقير وغني.. وكذا مستنقع الفاقة والفقر.. محاربته ليس فقط لحمايةِ الفقراء، ولكن لحمايتنا كلنا.
 
الجمعياتُ الخيرية، والمبادرات الفردية مثل مباردة المهندسة الحبوبي، أمرٌ ضروري لكي يكون هناك التكافل الاجتماعي، فمهما طالت يدُ الجهاتِ الرسمية المخوَّل لها الغوثُ الاجتماعي تظل لا تصل إلى كل الأماكن ولا تشمل كل الفئات، وهنا يأتي الدورُ الخيْري الأهلي ضرورياً لا غِنى عنه.. وهي حقيقة مثبتة في المجتمعات المتقدمة والأغنى منا، وعلينا الأخذ بها بذات الجديةِ والاهتمام في النظرة الحكومية في إطلاق قيْد القدرات الفردية والأهلية للعمل الخيري، وتخفيف محابس وقيود الإجراء الهادف للعمل التطوعي الخيري.. ولو أن هذه النظرة المرنة انتشرت لتغير مجتمعنا من هذه الناحية البالغة الأهمية. ولعلّ التغيير قادم.
 
في الشمالِ بيوتٌ من صفيح، في الجنوبِ قرى من صفيح، ومناطق أخرى، وهذا ليس عيبا، ظاهرة موجودة بمدن الدنيا.. العيبُ أن نرضى بذلك ما دام باستطاعتنا أن نغير الصفيح.. فتغييره يرفع الحالة الإنسانية إدراكا وسلوكا ومواطنة.
 
إن أغفلنا هذه الحقيقة، فإن فقراءَ الصفيح سيزدادون، وتزداد معها قلوبٌ من صفيح.