الوعي الصحي
سنة النشر : 04/11/2008
الصحيفة : اليوم
..لا يهم كم سكبتَ من الحليبِ، ما دمتَ تملك البقرة. للهِ ما أحكمَ الهنود! فالمثلُ السائرُ في الهندِ من أعقل ما نعرف من أمثال.
كيف أدَرنا ثروتنا النفطية؟ هل انتفعنا بها، حقاً، للتوظيفِ الرأسمالي الوطني لنا، وللأجيال القادمة؟ هل كانت منفعتـُنا من إيراداتِ البترول بأقصى منافعِها الحَدّية؟ هل أثـْرَتْ المواردُ النفطية قطاعاتِ الأعمال والصناعة والفكرِ والتنميةِ الاجتماعية؟ كلها أسئلة قابلة لأجوبةٍ عديدة.
لا يمكن أن ندعي أننا استخدمنا المواردَ بأنماطٍ مثالية، والخطأُ يقع مع اكتساب الخبرةِ، والمهم أن يكون الاجتهادُ في العمل صادقا وجادّاً، ويجب الآن أن نضيف عنصراً لازماً آخر، فلا يكفي الصدقُ والجِدية، بل يجب أن تقودهما قاطرةٌ عصريةٌ قويةٌ وسريعةٌ وثابتة، وهي : المعرفة.
قد نكون في الماضي لم نستخدم موردنا النفطي كما يأمل المثاليون- على الأقل!- على أن المريحَ، كما يقول أصحابنا الطيبون الهنود، أننا ما زلنا نملك البقرة. والبقرة هنا هي الاحتياطات النفطية في خزّاناتنا الطبيعية القابعة بمكامن تحت الأرض.. وكما أن امتلاك البقرة لا يكفي، فالحفاظ على صحتِها أمرٌ بالغُ الحيويةِ لتدِرّ كمياتٍ أكبرَ من الحليب، فإن الانتفاع الأقصى من المخزون النفطي شأنٌ بالغ الحيوية إذن، ضمن عنصرين: عدم التسارع في استنفاد الاحتياطي الدهري، وبتفعيل وتقديم وتطوير تكنولجيا ووسائل التنقيب عن النفط. هل تطورت أرامكو عبر الزمن أم تراجعت؟ الإجابة عليه عند أرامكو نفسها فهي حافظة الأرشبف التاريخي القريب الأولى في البلاد، وهي الذاكرةُ المنظـَّمة للأمة (وهو إنجازٌ رائعٌ بحدِّ ذاتِه).
فأرامكو تقدّمت جداً بالمواردِ والإمكانات والحجم والرأسمال والأصول، وحتى زيادة كميات الاحتياط ( بتصاعد اكتشاف المحابس النفطية في الأرض، واتساع رقعةِ التنقيب).. على أن فلسفة أرامكو كانت دوما متأرجحة في أن تبقى مجرد شركةٍ عاملةٍ في مجالِها لا تحيد، أم تشارك فعلياً وواقعياً وعلى الأرض في القطاعات الأخرى والكبرى بالمجتمع العام تطويرا وإسهاما وبحثا، من التعليم، إلى الخدمات الاجتماعية إلى تطوير البحوث العلمية والعملية في كل مجال، ثم التطوير المعرفي والفكري للارتقاء بالمجتمع..
في البدايات كانت أرامكو تديرُ بعقلين: عقلٌ عملي علمي متخصص في إدارة الشأن النفطي، وعقلٌ يدير مجتمعا كاملا بكل احتياجاته كاملة.. العقلُ الأخيرُ بنى المدارسَ للمجتمع خارج نطاق أرامكو وأدارها، ونشر الوعيَ الصحي والوقائي، وبنى الطرق، وأدار شأن المدن الناشئة في نطاق امتيازها ومهاجع عمالها..
مع الوقت كبرت أرامكو، وكبر المجتمع.. ثم انحسرَ دورُ أرامكو في مسألةِ العقل الثاني وتقلص. ويبدو الآن أن هناك حنينا للدور القديم.. في سنوات إدارة الرجل الفذ عبدالله جمعة، وهو رجلٌ بعقل مثقفٍ مرن، لاحظنا قفزاتٍ نوعية في فلسفتِه لدور ارامكو، وهذه طبيعةُ العقلِ الخلاق.
ونعلم أن الرجلَ سيخرج من الشركة في أول السنة الميلادية القادمة وقد أوقد شمعاتٍ اجتماعية ومعرفية من وقود أرامكو، وسيذهب إلى سنوات تقاعده – وهو في ذروة عطائِه الذهني- مطمئنا لإنجازٍ في مساراتٍ متنوعة.
وتعرفون الآن أن رجل النفط التنفيذي ألأول في البلاد سيكون المهندس خالد الفالح، وللفالح موقعٌ عمليٌ وتاريخ إنجاز تعرفه أروقة أرامكو أكثر منا، ولن نضيف شيئا مهما قلنا.. والذي يجعلنا مطمئنين اجتماعياً، أن الرجلَ غمس يدَيْهِ حتى الأكتاف في العمل الاجتماعي الخدَمي، وربما كان أول رئيسٍ لأرامكو يتداخل في الشأن الاجتماعي المباشر – المجلسُ البلدي، مثالا.
- ومن هذا الواقع، نتوقع من السيد الفالح عهداً زاهراً نفطيا في وقتٍ شائكٍ في الظرف الاقتصادي الدولي، ونأملُ، بناءً على إملاءاتِ الواقع، أثراءً أكبر لأرامكو للتنمية المعرفية والخدمية الاجتماعية.
وقبل كل شيء، الاستخدامُ الأمثلُ للأصل النفطي.. ليستمر تدفقُ الحليب.