سنة النشر : 11/10/2008 الصحيفة : اليوم
.. مهمة الدكتور فوّاز العلمي مهمة وحيدة وفريدة بتاريخنا القريب .. ولا ندري كيف سيؤولُ ذلك في النهاية .
إنه الرجلُ الذي قاد مفاوضاتـَنا للانضمام للنادي التجاري الكوني، وخاض معاركَ عقليةٍ ونفسيةٍ ومعرفيّةٍ، وكان يجب أن يعرف دقائقَ أنظمةِ ونظريات الاقتصاد، والقوانين، والاتفاقيات، وأن يكون فوق ذلك استشرافياً فوقياً ليمكنه قراءة استراتيجية قيادة هذا الزخم للوصول إلى الهدف .. وبالفعل، أرسى سفينتـَنا باقتدارٍ إلى ميناءِ منظمة التجارة .. عملٌ عظيم وعبقري ؟ صح . هل نتائجه ستكون علينا كالمـَنِّ والسلوى، أم كمن يجري فوق جمراتِ النار .. لا ندري . وإن كان للتشاؤم الجمري الناري نصيبٌ احتماليّ لا يُنكر .
الدكتور فواز العلمي المستقبلي، الاقتصاديُ، والقانونيُ، والرسمي، والمفاوضُ العالمي، والكاتبُ، والمؤلفُ، لابد أنه من الذين يشكرون الله كثيرا، فهو رجلٌ أعطاهُ خالقـُه الكثيرَ من مدَدِ السماء .. ولكن نعلم من خبراتِنا الإنسانية أن مدَد السماءِ قد لا يفهمه ولا يثمّنه من هم على الأرض .
«فواز العلمي» هو من سنفتتح به فعاليات منتدى آل الزامل في الراكة مساء الغد الأحد بعد صلاة المغرب، وكلكم مدعوون .. وبالذات المهتمون بما يجري عاصفا الآن في العالم بأسواق المال .. وعلاقة المنظمة التجارية الكونية بكلّ ما يدور .
وهي فرصةٌ سانحةٌ جداً أن نسمع من الرجل الذي سلخَ سنواتٍ شاقة ومضنية وخالية من النوم والراحة كي ننضوي تحت البيرَق الكوني .. فهل حسنا فعل ؟ أم أن وطنـَه أعطاه مهمةً وكان يجب أن ينفذها كجنديٍ يتلقى الأوامرَ في المعركة، فمهمتـُه أن يوظـِّفَ قدراتـَه وآلياتـَه وفكرَهُ وشجاعتـَهُ لتنفيذ المهمة .. وبالتالي لا يجب، منطِقاً، أن يُسأَل عن نتائج ما قام به ؟ ولكن العلمي صار شخصية عالمية وبالتالي من الضريبة التي سيدفعها أن الناس سيسألون، وسيستفسرون، وسيحمدون، وسينتقدون .. وإن لم تقبل أي شخصية عامة هذا الواقع .. فلِمَ كانت في الأصل ؟!
فواز العلمي ليس شخصا عاديا أبدا، إنه فكرٌ متقدٌ، إنه مثقفٌ عالمي، إنه يعرف بالضبط ما جرى على المنصةِ العالمية، وما دار خلف الكواليس، وربما كان كريما معنا ليشرح لنا الكثير من الغموض الذي لم نصل إلى فكّ طلاسِمِه حتى الآن، فنحن العاديين، خصوصاً في بلدانٍ مثل بلدنا، لا نرى إلا قمة الجبلِ الجليدي، وتحفظ المياهُ الباردة العميقة أسرارَ الكتلةِ الكبرى ..وأنّ ما نراه هو ما تفرضه طبيعة المشاهـَدة الحتمية ، وليس لأنه تكرّم أحدٌ فسمح لنا بذلك .
لو طالعتَ الانتقادات التي جاءت من وراء انضمامنا للمنظمة العالمية، فتجد هناك من يقول ان حبالا خفية كانت تسيّر حركة نقاشِنا، وقيل ان هذه الحبال تنتهي في واشنطن، وقيل عن تنازلاتٍ كبرى قدمناها سِفاحا على حساب أشياء تفوق مجرد الإصلاح الاقتصادي البحت فمسّ طبيعة مجتمعنا وشريعتنا .. وقيل ان انضمامنا هو لكبح جماح حصانِنا لو عنَّ له يوما أن يكون شموساً حرِناً، خصوصا وأن تحت ساقـَيـْهِ أكبر بحيرة نفطٍ في الدنيا .
وقيل انه سُحِب منا الورقة الأولى وهي قوتنا النفطية فدخلنا المنظمة مقاتلين عزلا .. وعندما تعزل المقاتلَ عن مصدر قوته ينتهي مهزوما مثل «أخيليوس» المنيع الذي عرف الأعداءُ أن كعبَه لم يكن منيعا فأُرسل إليه السهمُ المسموم، أو شمشون الجبار الذي فقد قوته بفقدانه لشعره .
فهل هذا صحيح يا دكتور فواز ؟ قرأتُ كتابا لعالم اقتصاد ومفكر أمريكي لابد أن الدكتور العلمي يعرفه جيدا وهو «داني رودريك» الأستاذ في هارفرد أشهر جامعاتِ الدنيا، والكتابُ صغير ملفت جدا بأفكاره، ومثير للتساؤلات والتخوّفات معا، بعنوان «هل مضتْ العولمة أكثر مما يجب في تنفيذ أهدافـِها» ..
اسمعه يقول : «مشروع العولمة بطموحاته الكونية فيه مغالاة قوية نتيجتها استغلال القوى الرأسمالية الكبرى التي تمتلك الخبرة والقوة والأدوات في التراكم الرأسمالي على حساب الدول النامية..» .
يقولون ان العالم صار قسمين : واحدٌ عاصمته دافوس، المدينة الغافية التي صارت وكأنها عاصمة روحية للاقتصاد الكوني .. وواحد آخر يناضل ضد «دافوس».. هو بقية العالم .
للدكتور فواز حضورٌ لطيف، وتأثيرٌ كرزمائيٌ، ورحابة العارفين، وهذا سيجعل الموضوعَ الحادَّ.. أقلّ حِدّة .