كرسي جبر الدوسري

سنة النشر : 07/10/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. ذاهبٌ لحضور فعالية مبتكرة بمناسبة أسبوع الفضاء العالمي، والذي يقام كل عام من 4 إلى 10 أكتوبر.. متطلعاً لآمالٍ وكشوفاتٍ كبيرة لإنجازات الإنسانية في التعرف على الفضاءِ الشاسع منذ «لايكا».. وسأحكي لك حكايتها لاحقا.
 
أذهبُ وفي قلبي فقدانٌ عميق لفلكينا الكبير الراحل «جبر الدوسري»، الذي كان سيعطي ثقلا نوعيا وعلميا وهيبة لو كان من المحاضرين المشاركين، وليس مثلي من المتطفلين المشاهدين.. فألزمتُ نفسي بقراءة كل ما وصلتُ إليه من كتبٍ ومحاضراتٍ ووثائقٍ وأفلامٍ عن تاريخنا القريب جدا، والبعيد جدا مع الكون.. الذي نعرفه، ولا نعرفه.
 
صار الفضاءُ القريب ( نسبيا، بمسافاتِ الكون) مقرّاً لمحطات التواصل العالمي عن طريق الأقمار الصناعية التي تجوب محورَ الأرض فوق غلافه الجوي. ومن مكانها الممتد بلا نهاية تجعل حياتنا أسهل بتواصل العالم بكل أطرافه، ورغم مسافاته، في اللحظة في كل يوم. الفضاءُ أنهى حدودَنا الأرضية، وغير المسافة التواصلية في أذهان وحياة البشر إلى الأبد.
 
والأسبوع الفضائي العالمي من أهدافه تحفيز تعاوناتٍ جديدة تخص العمل الفضائي بين علماءِ العالم ومؤسساتِه العلميةِ المهتمة، والمراصد الكبرى، والوكالات الفضائية من مهتمي الفضاء بعالمنا مثل الأمريكان، والروس، والأروبيين، واليابان، والصين.. والهند.
 
ويوما، أتوقع أن يكون لنا نحن برنامجنا الفضائي الخاص، فمن أحوج منه مثلنا ونحن نديرُ ونملكُ عشرات المحطات التفزيونية، وكي نفهم، من فوق، طبوغرافيتنا الأرضية وما تحت الأرض، ولاستعمالات المناخ والثروات الخبيئة واكتشاف التخوم وتسيير الحركة اللوجستية على الأرض..
 
ويجب أن نعرف ونؤمن أن أكبرَ العقول التي تعلقت وعرفت وارتبطت في الفلك هم العرب.. حتى قال نيكلسون مهتم الفلك الكبير والمؤرخ ألنبي ولورنس أن معرفة السماء تجري في «جينات العرب».. وقالها لي حرفيا الشيخ عبدالعزيز السالم الوزير المستشار في الديوان الملكي، حينما هاتفني مهتما وحزينا لوفاة الفلكي جبر الدوسري، وكان له من المتابعين الدقيقين، مما دفعني لأتذكر معه أن جهاتٍ رسمية للنقل البحري أوصَتْ عابراتِ أعالي البحار حين تخوّف العالم من كارثة انهيار برامج الكمبيوتر الملاحية الجوية والبحرية والبرية بالعام 2000م ، بأن يعتمدوا إحداثيات العربي العماني الملاح «أحمد بن ماجد» الرياضية الفلكية، والتي كانت حتى وقت قريب أدقّ ما توصل له الإنسانُ في حساباتِ النجوم لهدايةِ السفن في الليل وفي عرض البحار.. وجبرُ الدوسري وغيره من لامعي المهتمين بعلوم الفلك دليل حيّ معاش على هذا النبوغ، وحافزٌ لكي نعمل على تأسيس «وكالة الفضاء السعودية».. لم لا؟ ومن الآن.
 
حدّق الإنسانُ من القدم في القبةِ الكونية فوقه واستلهمها في خياله وفي دياناته وفضوله للمعرفة.. فالفلكيون القدماء حدّدوا نقاط انطلاق الضوء من نجوم بعينها لمعرفة الاتجاهات وتصويب الرحلات للتجارة والتنقل على الأرض والبحر والأنهار.. بل ان تسميتها بالكواكب Planets في اللغة اليونانية تعني «المتجوّلون». ثم سُمِّيت الكواكبُ بأسماء الآلهة الرومانية من بعد تعبيرا عن إجلال بشري لهذه الأجسام السماوية المنيرة.
 
إن «محدِّقي النجوم» واشتهروا باسم (Stargazers) قضوا نهاراتـهم ولياليهم يرصدون حركة الكواكب، ولمعانَ النجوم، وسقوط الشهب، ورشقَ المذنبات، وظهرت حكاياتُ وإلهاماتُ النجوم التي تهوي في السماء.. والحكايات ولـّدتْ فضولا، والفضولُ ولـّدَ عِلما.. عِلمٌ من أجلِّ العلوم.
 
شاعت بالعربيةِ كلمة (غزو) الفضاء، وأفضل كلمة (اكتشاف)، واكتشافُ الفضاءِ العصري كُرِّسَ أثناء الحربِ الثانية عندما عرف الألمانُ أن يحرّروا الصواريخَ من جاذبيةِ الأرض، والانطلاق بسرعة ٍخارقة، والذي حقق للإنسان بعد عقودٍ ثلاثة الوصولَ للقمر ثم ما بعد القمر.
 
في العالم 1957م بدأ التغيّرُ الدراماتيكي حين صُنِع وأرسِل للفضاءِ ( اي خارج الغلاف الجوي الأرضي) القمرُ الروسي سبوتنك 1، وفي نوفمبر 1957م الإرسالية الثانية للفضاء، وبها أول كائن أرضي يصل للفضاء وهي الكلبة «لايكا».. و»لايكا» خدمتْ ملحمة الفضاء الحديثة، وكان نعشـُها نفس المركبة.. ماتت لتـُحيي المشروعَ أمام «جارجارين» أول إنسان يطالع كوكبنا من الأعالي السحيقة. وتقدم علمُ الفضاء أضعافا منذ ذاك الحين ومشينا مليارات الأميال للأعلى.
 
وأُنهـِي باقتراحٍ لرؤساءِ جامعاتنا في المنطقةِ لإحداثِ أول كرسيٍّ لعلم الفلك الحديث.. وأن يُسَمّى «كرسي جبر الدوسري» للدراساتِ الفضائية.
 
وكل أسبوع فضاءٍ والأرضُ بخير!