الخطوط الوطنية السعودية

سنة النشر : 24/09/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. اليوم أود أن أشارككم بقلبٍ خفيف، وأن تدعو معي بأن يهدي الله القيمين على خطوطنا الوطنية السعودية، فقد قابلت ما عملوا لحقيبتي جزاهم الله خيرا بالانشراح والضحك..
 
ما العمل؟ لم يكن لدي خيار آخر، ومن كان خيارُه الأخير السعادة فهي حسبه! لا مبرر عقلي ولا منطقي ولا عملي لما جرى لحقيبتي، خصوصا مع التبريرات التي جاءتني من السعودية.
 
لذا بما أن لا سبب مقنع، قلت لنفسي يا ولد خذها كتجربةٍ غريبةٍ، فلا يفيدني الغضبُ شيئا لأنه لن يغير «السعودية» من حالٍ إلى حال، مهما تعمّق الغضبُ ووقته طال.. بل أن هذا سيسبب ألما مضافا وثقلا على قلبي، وفي القلبِ ما يكفيه.. فلا خيار إلا أن أضرب بيدي ضاحكا لنكتةٍ من نكات الواقع.. أو أن «السعودية» جربت أن تثير مغامرة لأحد ركابها على طريقة الكاميرا الخفية.. وإن كان فعلا هذا هو المقصد، فأنا سأقف معهم إن تخلوا عن صنعة الطيران، واحترفوا عمل السينما، مؤكد لهم أنهم سيحصدون التفوق والجوائز..
 
يا إخوان يا كرام سافرت على الخطوط السعودية من مطار الملك فهد بالدمام، وركبت حقيبتي بسلام، ووصلـَتْ إلى مطار جدة بسلام، مع أنه كان حزاما وحيدا هو الذي سيعمل وعليه لوحة تشير أن الحقائب آتية من أبها والمدينة والرياض، فانتظر الركاب دهرا حتى رأوا حقائبهم تترامى أمامهم فعرفوا أنها وصلت مع أن اللوحة لم تشر لمطار الدمام، على أن هذه تجربة لا تذكر.. فأخذت حقيبتيي فرحا بوصولها..
 
ما قصتي مع حقيبتي؟ حقيبتي فيها كامل أدويتي، وهي أدوية يجب أن اتناولها يوميا ولمدى الحياة، يعني لا مزاح، والأدوية ليست من تلك التي تدلف الصيدلية وتتناولها من الرف، فهي أما لا توجد بالصيدليات التجارية، أو أنها لا تظهر إلا بوصفةٍ من استشاري مختص عالجك بنفسه.
 
وبها حاسوبي المحمول وبه وثائقي ورسائلي وأسراري.. يعني ربما حياتي الواعية. أما لماذا لم اتناول حاسوبي على كتفي؟ فلأن كتفي الأيسر به خلع ذاك اليوم لا يتحمل ثقله، وأنا شخص مشطور لليسار فكل ما يعمل بي الجهة اليسرى كتابة وحركة.
 
فرحت بحقيبتي ومضيت.. وبمطار جدة قاصدا العودة للدمام بعد يومين، شحنتُ الحقيبية، بذات المحتويات لم تتغير أنملة، إلا باستبدال ملابس بأخرى.. لا، لا اضافة ولا حذف. لما وصلت للدمام، الكل احتضنوا حقائبهم إلا أنا.. بقيت وحيدا مذهولا حزينا كطفل أضاعته أمه في زحمة مدينة غريبة.. ولولا عامل السن لبكيت.
 
توجهت لموظف الخدمات للعفش المفقود فلم يجد أي برقية تفيد عن عدم وصول حقيبتي، فأرسل مشكورا برقية وأخبرني أنه يتوقع وصولها على الرحلة القادمة.. ولم تصل على أي رحلة.. إلى أن وصلت مكالمة: - نجيب الزامل؟ - نعم.. - أنا من مطار جدة ووجدنا الحقيبة فقد منعت من الشحن بالطائرة لأن بها مواد مُنـِعَ شحنها بالطائرة، فارسل أحد من قبلك لأخذها.
 
كيف تتصرف هنا؟ خذ مثلا: سافرت بنفس الحقيبة على نفس الخطوط، بنفس المحتويات، من نفس البلد، فالدمام وجدة ليسا من قارتين مختلفتين على ما أنا متأكد منه.. وخذ أيضا: لمَ سُمِح لحقيبتي أن تؤخذ مني للعفش من الأصل؟ ولماذا سُمح لها بعد الفحص الإشعاعي الأول؟ فما عرفنا أن الحقائب ترفض وهي ستشحن ببطن الطائرة.
 
ثم لماذا لم ترسل برقية للدمام حتى لا يفاجأ الراكب؟ ثم لو كنت في بلد ليس به بيتي، فكيف سأتصرف بدون أدويتي؟ (تأسف السعودية لتدهور صحة أحد مسافريها لعدم شحن حقيبته، ونأمل أن نكون اختياركم للرحلات القادمة!) .. وحاسوبي؟ وثائقي؟ قسم من حياتي بالحقيبة.. لا يهم.
 
المهم أن تكون «السعودية» اختيارا أزليا! أرسلت من يمثلني للمطار، ورجوته أن يأخذ من الحقيبة الموادَ غير المسوحة ويعيد شحنها؟ غير أنه هاتفتي ليقول: الموظف لا يعرف ما هي تلك المواد؟ هل أصرخ؟ هل أغضب؟ ولكن صوتا حكيما من أعماقي أمرني باضحك.. فضحكتُ كثيرا.. حقيبتي ذهبت جوا؟ أما كيف عادت، فمئاتُ الأميال بـَرّا.. وإن وجدتم نكتة عملية أكثر من حكاية حقيبتي.. فشحن حقيبتكم على «السعودية» على حسابي!