سعي نحو السعادة 3

سنة النشر : 20/09/2008 الصحيفة : اليوم

 
 (سعي نحو السعادة ) أؤمن بأن التهذيبَ يشكل رأياً جماعيا.
 
النادي الأدبي في الدمام، هو أدبي المنطقة الشرقية تقريبا، لأن الاحساءَ مازال ناديها الأدبيُ يحاول المجاهدة للتوازن على حبلٍ مهتزٍ من الاختلافات.
 
وأنظر لنادينا الأدبي، فأنا مرتاحٌ أنه من أفضل أنديةِ المملكةِ الأدبيةِ، وليس هذا تحيزا ولا إنقاصا لحقِّ النوادي الأخرى، ولكن نادينا أثبت شيئاً ضرورياً، وهذا الشيءُ فضيلة كبرى، وهو التهذيب.
 
بل دعني أخبرك، بكل ثقةٍ، أنهم يملكون أكثرَ من فضيلةٍ واحدةٍ، بقيمةِ أندر أنواع جواهرِ الأرض. إنهم يملكون القدرة الفذة على التهذيب، ويملكون القدرةَ الفذةَ على التواري والإنجازِ وراء ستار، ويملكون القدرةَ الفذةَ – في إثباتاتٍ ممتازةٍ خلال الآونةِ الأخيرة - على استقبال وهضم كل تياراتِ الفكر والرؤى بالمنطقة، بعد أن حسبهم البعضُ أنهم سيكونون أسيري نظرية «اثنان على ضِفـَّتـَي النهر»..
 
وهي نظريةٌ نفسيةٌ فكريةٌ أثارها المثقفون الشبانُ في ستينيات أمريكا لما قالوا : إن المجتمعَ على ضفةِ نهرٍ بكل قيمِهِ وتراثِهِ، وأنهم يقفون على الضفةِ الأخرى من النهر.. وأن الاثنين لن يلتقيا، لأن الضفافَ لا تلتقي. عندي هذه القناعة بأن وزراةَ الإعلام بوكالتها المختصة للثقافة تتنفس بعمق المرتاح بعد نصَبٍ حينما يأتي اسمُ نادي منطقتِنا في أي مبحثٍ، وعلى أي مائدةِ نقاش، فهو النادي الذي لا يشكل صداعاً لهم، بل هو الفرجة المريحة التي تدخل منها الأهوية النقية المنعشة، فلا أعرف ـ كما نتابع ونقرأ ـ أن مشكلةً تصاعدتْ بين الأعضاءِ في النادي، أو أن خلافاً حاداً نشأ بين تياراتٍ فكريةٍ خرجت عن سورهِ إلى مسارح البلاد الثقافيةِ ومنصاتِهِ الإعلامية، ليس هذا يعني أنهم متفقون جماعياً، وليس هذا يعني أن هناك تناسخا فكريا داخل النادي، ولا يعني أن هناك قمعاً لرأيٍ ضدّ رأيٍ، وليس يعني أيضا ضعفَ النشاط الفكري الإبداعي الذي يتطلبُ إرهاصاً وحركة وفورانا..
 
فطبيعةُ الأفكارِ أن تتوالدَ بالتصادم، إما بالتصادم الراقي، أو بالتصادم المتوحش.. والصفةُ التي تغلب على أعضاءِ النادي هي التهذيب، الذي هو أعلى مراتبِ التسامي الأخلاقي، وعنوانٌ شاهقٌ للتحضرِ الإنساني.
 
إن التهذيبَ يعني أن هناك روحا للرأي الجماعي، وأن هناك أرضية لا ترى، ولكن راسخة يقف عليها الجميعُ ومعرفة أن أي هزّةٍ تتعرض لها ستـُفقِدُ الجميعَ - بلا استثناءٍ - توازناتـَهم، لذا فلا يكون النقاشُ إلا للالتقاءِ أو الاقتناع والإقناع، أو التمرير حتى لو كان هناك شكٌ لدى واحد أو أكثر من أجل ثبات هذه القاعدة التي يجب الثبات عليها وقوفا، لذلك لم نسمع أن خلافاً خرج من سورِ النادي، وهذا لا يعني أنه لم تنشأ اختلافاتٌ تم تناولها ودوفع عنها بقوة، ولكن داخل السور.
 
إن التهذيبَ جوهرةٌ نادرةٌ يملكها النادي عفواً لظرفِ تلاقي مجموعةٍ من الناس المهذبين، وهذا يجعلنا من الفخورين.. فعلا. وأنظر لهذا التواري، قد تدور مدننا وتسأل عمن هو رئيس النادي، أو نائبه أو رؤساء اللجان فلا يكاد يعرف إلا القليل، مع أن أسماءَهم مدويّة في عالم الثقافة والفكر، ولكنها متوارية في المناصبِ والمظاهر .
 
فالسيد جبير المليحان رغم شخصيته العميقة، إلا أنه ربما الأكثر تواريا، بينما بإمكانه اعتلاء كل منصةٍ بداع أو غير داع، ولا تكاد تراه من بين جمهور الحاضرين في الأنشطة المقامة، ثم يتراءى لك أن الدكتور الخالدي هو الذي يدير الدفة، ثم لا، يختفي، فإذا هو الأستاذ السبع، لا هل هو الأستاذ الفزيع؟ أم الأستاذ المُلاّ؟..
 
والدكتور أحمد الشويخات الموسوعي الذي نباهي به مناطق البلاد متوارٍ بامتيازٍ مع ان إنجازاتـَهُ تحتاج إلى محفل لوحدِها. كان للدكتور «المحيش» والشاعر المحلق «الصحيح» أن يكملا هذه الحلقة التهذيبية المتوارية اللماعة لولا مسألة نادي الأحساء فزُجّ بهم إلى ضفةٍ أخرى.
 
هل نادينا الأدبي الأفضل في المملكة؟ النقاشُ جدليٌ في مسألةِ النشاطِ والإبداع، ولكن في التهذيب والتواري والانفتاح والتواضع.. نعم، يا أخي، نعم! نفخر بأن أعضاءَ نادينا الأدبي مدّوا الجسرَ بين ضِفـَتـَي النهر!