رضا الناس

سنة النشر : 25/08/2008 الصحيفة : اليوم


.. حاولتُ أن أوقف مقالَ السبت الماضي بكلّ ما استطعتُ.

هاتفتُ الجريدة، أرسلتُ مقالاً بديلاً.. ولكن السيفُ سبق العذل.

وكان بالمقال خطأ صريحٌ مني على الدكتور يوسف الجندان مدير جامعة الملك فيصل، وما أفظع الشعور أن تعلم أن هذا الظلمَ في طريقِه للتنفيذِ وأنت خالي الحيلة مقيـّد القدرة.

لقد كتبتُ محتجا ولائما وعاتبا على بعض مديريِ الجامعات الذين يقفلون هواتفـَهم فلا يستطيع أحدٌ الوصول إليهم، وتعديتُ وقلت: «أن من يظن أنه يكسب أهمية في ذلك فهو واهم.. فالأهمية لا تأتي إلا من رضا ومحبة الناس..» ومع أن هذا المبدأ صحيح وأنا أومن به، إلا أن ظلمَ الناسِ ظلما صريحا عن عمدٍ أو عن خطأ هو مجاورٌ للشر إن لم يكن قرينا..خصوصا إن تركنا الخطأ مرسلا بلا استلحاقٍ أو اعتذارٍ وتوضيح.. وليته يكفي.

نعم، لقد اتصلتُ برقم الدكتور يوسف من هاتفي، وأخذت رقمَ هاتف دكتور آخر من مكان أكيد، فالأخير قليل احتمال الخطأ، والأول كان مسجلا بهاتفي.

والدكتور يوسف وأنا صديقان أعرفه مذ كان طبيبا في عيادتِه، متواضعا، باشـّاً، مثقفا.. متواصلا، ولم تتغير هذه الصفاتُ به، ولطالما بادأني بالمكالمة واستعراض بعض أراءٍ في التعليم، وبحكم ثقافته لطالما تحدثتا في مواضيع الفكرِ العريضة..

لذا لما هاتفته لقضية البنات اللاتي كن يردن إعفاءً من الرسوم المالية، فغرضي كان النقاشُ بين الإخوة المتعارفين قبل اللوم أمام العموم، وهو الطريقُ الصحيحُ في المناصحةِ وحتى في الشكوى.. إلا أن الخط كان مقفولا على الدوام.

وهنا لعبت خواطرُ الخيبةِ في رأسي، وكان الاحتجاجُ أشدّ لأن الكريمَ حين يخذلك يكون الخذلان ألسع مرارة، ورد الفعل الطبيعي يكون من واقع تلك المرارة.. وأنا أقلـّبُ في هاتفي وجدتُ رقما آخر بنفس الاسم، واستبعدتُ أن يكون هو رقم الدكتور، لم استبعدت؟ لا أعلم! فقد كـُتِب علي الوقوع في الخطأ، وهيأت لي أفكاري أنه رقم شخصٍ آخر.. ومن يأسي، وبلا تفكير ضغطت الرقمَ ولم أسمح له إلا برنـّةٍ أو أقل.. فقط.

ورحتُ أكمل مقالي.. بعد إرسال المقال، جاءني اتصالٌ قبيل المغرب بقليل، وإذا هو الدكتور يوسف يرد على المكالمة تلك الوامضة ويعتذر أنه كان في قيلولةٍ وقتها.. وسألني إن كان هناك موضوعٌ يشغلني.. ولكن أشياءً انفجرت في داخلي: وكلها تقول: إلحق المقالَ! لقد ظلمتَ الرجلَ، مهما كان الموضوع، فهو هنا مظلومٌ، ليس بلا ذنبٍ فقط، بلا أي عملٍ قام به في ذاك الاتهام بعينِه..

وأخبرتُ الدكتورَ يوسف أني وقعتُ في خطأ كبيرٍ جدا، وأني ظلمته ظلماً صريحاً، لأني كنت أهاتفه على رقمٍ خاطئ.. ولكنه طمأنني بأن كل شيءٍ ملحوق، والأخطاءُ تـُصَحـَّح.. وأصرّ أن يسألني عن الموضوع الذي من أجله هاتفته، وأخبرتهُ على عجـَلٍ، وكان يريد أن يتابع ويشرح بذات الأريحيةِ وسعةِ الصدر اللذين أعرفهما فيه.. ولكن كل كياني كان حول ضبط المقال قبل أن يطير، والمقالُ عندما يطير فهو لا يحط.. ولكن المقال طار رغم كل المحاولات.. وبالطبع هذا لا يمنع ولا يقلل ولا يشفع لخطأي.. لا يمكن إعادة الزمن.. ولا استعجاله، أمرٌ وقعَ وكان.. وكان لابد أن أبادر بأضعف الأعمال وهو إزجاء الاعتذار عن ظلمٍ، كما قلتُ، صريح.. ومن العبثِ سؤال الدكتور الجندان السماحَ، فهو طمأنني من البدايةِ وطلب مني وعداً بإعادة المكالمة لمناقشة الموضوع الشاغل.. أو اللقاء لو أردت.

ولكني أسأل اللهَ العفوَ والمغفرة، فلكم حُذرنا بديننا من ظلم اخوتنا، والتروّي قبل الجزم.

استلحقتُ كتابة المقال في يوم ليس مخصصا لي.. وأشكر الجريدة على السماح بذلك حرصا منها على إحقاق الحق.