سنة النشر : 12/08/2008 الصحيفة : اليوم
.. وكأننا فتحنا بوابة الأفكار، فهطلت على بريدي كالأمطار، أو كفورةِ الشلالاتِ وتدفق الأنهار.. ما شاء الله.
بعد مقالة الجسر وازدحامه السبت الفائت لم يقف بريدي عن استلام عشرات الرسائل المليئة بالاقتراحات والأفكار، تلك المسيرة الذهنية التي بدأها بمبادرة رائعة الأخ جميل بوبشيت من موظفي أرامكو، وأفكارُ «جميل» الجميلُ بها أن بعضها من الممكن أن يطبق في الآن والحال. ولو لم نتكلم عن الأفكار لكان الغضبُ والاحتجاجُ هو ردود الأفعال.
لو كانت المقالة غاضبة ومحتجة لكانت ردودُ الناس نارا، فيصعد لهيبُ النفوس فوق لهيبِ الجوِّ، وضِرام الازدحام.. ولكن الرسائل التي تلقيتها كانت هادئة ومستقرة الأسلوب، ومنطقية التبرير ولم تكن هناك رسالة غاضبة أو لائمة إلا ما قلّ كتأكيدِ لنوعية الكثرة.
وها أنا أتلقى درساً عملياً في الروح الإيجابية عند الجمهور متى احترمنا عقولـَهم، وفوق هذه الروح الإيجابية مشاركة فعالة في طرح الأفكار.
تعلمتُ أن الناسَ يفرحون لما تشاركهم في مواضيعك، ولم تضع كمسئولٍ حاجزاً رسمياً جافاً يحيط بمسئولياتك فتضيقُ مسافةُ رؤيتك، بينما مع الناس يمتد أفقك، وتفكر بألف عقل، وتنظر بآلاف الأعين.. وتصبح فجأة وسط مولـِّداتٍ هادرةٍ من الأفكار.. والمهم أنها مجانية، وصادقة كل الصدق.
على إدارة الجسر فقط أن تجربَ ما جربتُ، أن تطلب من الناس بعث الأفكار بالطرق التالية أو بأحدها:
1- عن طريق عقد ندوةٍ كبيرةٍ لمدة نهارٍ كامل للاستماع للأفكار والرؤى والطروحات وتسجيلها وتبويبها ومن ثم فرزها وتقييمها.
2- عن طريق تخصيص صندوق بريدٍ اسمه «صندوق الأفكار» ويوضع له برنامج خاص للاستلام والتسليم مع مصلحة البريد.
3- عن طريق موقع الكتروني يخصص باسم ( جسرأفكار. كوم)
4- تخصيصُ جائزةٍ عينيةٍ ( ليس بالضرورةٍ نفيسة أو ثمينة) لأفضل 10 أفكار.
ما الذي سيصير؟ شيئان: النتيجة السريعة والمهمة أن الناس سيتعاطفون ويتقاربون ويحبون إدارة الجسر فينفك عن كاهل الإدارة أول وأكبر ثقلٍ من على أكتافـِهم وهو اللومُ الشعبي، وهذا كسبٌ لا يقاس بالأثمان.ثم على المدى القصير والطويل سيكون عند إدارة الجسر إرشيفٌ متكاملٌ من الأفكار المصفـّاة.
وأمرٌ آخر سينتج، وسيسجل كإنجاز إداري تاريخي، وهو أن إدارة الجسر ستعتمد نهجاً فكرياً جديداً بالانفتاح على آفاق الفكر المفتوح بلا ثمن ولا التزام قد تقتدي بها كل الإدرات الرسمية، كما ستكون توابع النتيجةِ انتقالُ الناس من خانةٍ ضيقةٍ ومزعجةٍ وهي اللوم والغضب والشك بنوايا المسئولين إلى رحابة التعاون والتفهم والمشاركة والتواد. إن لم تعتمد إدارةُ الجسرِ هذه المقترحات، فسيكون من ضمن ثلاثة أسباب:
الأول: لسخافةِ الاقتراح وسطحية عقل من كتبه.. وهذا سيحرجني أمامكم.
الثاني: أنه لا يجوز بأيِّ حالٍ التطفل على العمل الرسمي بنظامِهِ وحدودِهِ وهيبتِهِ وصرامتِهِ حتى لو كان الخطأُ يملأ عينَ الشمس، لأن المهابة الرسمية أجلّ من أن تـُقوَّض- لا قدر الله- من أجل الأخطاء مهما تكاثرت وتكالبت. وهنا سيُطلـَب مني تقديم استمارةٍ رسميةٍ لطلب العفو وتقديم الاعتذار.
الثالث: لأن مساحة مملكة البحرين محدودةٌ جدا، وترك الناس يفيضون يومياً بعشرات الآلاف ( لو تيسرت الإجراءات) سيشكل ضغطا لا تتحمله المرافق والخدمات مما قد يشل كامل الحركة بها، فيجب أن يكون الجسرُ بهذه الحالة عنق زجاجةٍ ضيـّقا يخرجُ الناسُ منه بالقطارة.
هنا سيُسقـَط بيدي وسيرتجّ علي لساني، ولن أستطيع أن أرفع عيني بعين إدارة الجسر، لرؤيتهم الخطيرة وخوفهم على المرافق البحرينية كدولةٍ عزيزةٍ وشقيقة. ولو صحّ السببُ الثالث العالي الوجاهة، سيتغير اسمُ الجسرِ إلى “عنق الزجاجة”.