سنة النشر : 09/08/2008 الصحيفة : اليوم
.. هل جفت الأفكارُ؟
الجسرُ الذي يربطنا مع مملكة البحرين صار تجربة ًملحمية ًلا تـُطاق .. ونحذر بأن من ليس له عمل ضروري فلا يجب أن يعرض نفسَه واسرته للغرق بعرقِهم، أو ليباس الجـِلـْدِ من الجفاف.. فالانتظارُ ساعات وساعات.
ولأول مرة منذ عقودٍ صرنا نرى سياراتٍ تُفتح غطاءاتُها الخارجية لتبرد محركاتـُها، لقد كنا نظنه عصرا أنتهى.. وشكراً للجسرِ فقد أعاد التاريخَ القريبَ لأبناء اليوم، ليروا كيف كان آباؤهم يضطرون إلى إيقاف عرباتهم للتبرد بعوارض الطرق في الأمس.. ولكنها فرجةٌ قسريةٌ ومضنية.
لنتفق جميعا، وأوّلنا مسئولو الجسر، بأن هذا لا يجوز.. وأن هذا لا يُقبل، وأن هذا قصور.. وعتبُنا الشديدُ، الذي نتفق عليه، ليس الخطأ بل الوقوع في الخطأِ مرة ًوراء مرةٍ وراءَ مرة.. بل نعرفُ الخطأ ونتوقعه تماما.. ونجاحُنا الأوحد أن توقعاتنا تصير صحيحة. طبعاً، عندما لا تفعلُ شيئاً لتنجح فستعرف النتيجة مسبقا، وهذا لا يدل على أن لك قدرة لتنفذ للمستقبل, ولكن لأنها النتيجة الطبيعية لعدم الاجتهاد.
الغريبُ أيضا انعدامُ الأفكار. وسامح اللهُ الأستاذ جميل محمد بوبشيت من أرامكو، الذي أرسل لي رسالة قدم فيها، وحده، أكثر من ستة عشر اقتراحاً لتطوير العمل في الجسر.. بينما تنعدم الأفكارُ في المقرِّ الذي يحتاج الأفكار.
سأروي لكم موقفاً، ولن أكون لائما، لأنه شيء كان يجب أن يكون، فلم يكن.. أعني: الرؤية.
قبل ثلاثين عاما سُئل الدكتور فايز بدر وكان رئيسَ الموانىء: «لمَ أنفقت على الموانئ الجديدة أكثر من أربعين بليون ريال.. لقد بعثرت الأموال، وبالغت في حجم وسعة أرصفة الموانىء»، ورغم طبعِهِ البركاني، يرحمه الله، أجاب: «.. إنها رؤية المستقبل.» وبالفعل، لا نندم اليوم أن موانئنا أُنفِق عليها البلايينُ وبُنِيَتْ عشراتُ الأرصفةِ الواسعة..
في الجسر لم تكن هناك هذه الرؤية، ولن نلوم القائمين عليه.. إنما نلوم لقلة الأفكار والحلول..لا يمكن أبدا ألا يكون هناك حلّ، وإلا ما فائدة الأدمغة والخبرات ؟
أنا من روادِ الجسر الدائمين..وأكثر من مرة أعود أدراجي من شدةِ واضطرام الازدحام، ومرةً عاندتُ مواصلاً ليأخذ أحد المتكالبين على الدخول في أي فجوة ولو بسعة خرم الأبرة مرآة سيارتي الجانبية.
وهناك شيءٌ آخر لا يتعلق بالأفكار، كان من المفروض أن يتم بتلقائيةٍ وعفويةٍ، فرغم تزاحم طوابير السيارات فليس هناك أي مجهودٍ لتنظيم الصفوف من عند المداخل، وهنا يزداد الازدحامُ ازدحاماً.. فتتعجب كيف يرضى أحدٌ أن يترك بيئة قابلة للحوادث الأكيدة تستمر كل مرة.. بلا أي ردِّ فعل. برود؟ لا أدري. قلة اكترات؟ لا أدري.
الذي أعلمه أني أرى بعيني كيف يعمل الأفرادُ في قمرات الجوازات جهدهم كي يسرعوا بالإجراءات، رغم الحرِّ والعرق.. وهذا لا يكفي. وأرى شبابَ الجمارك ينزفون عرقاً في جوٍّ ملتهبٍ يؤدون أعمالـَهم بأسرع ما يمكنهم.. ولكن لا يكفي. الذي نحتاجه حلولا كبرى، حلولا لآلاف السيارات.
وعلى فكرة يا مسئولي الجسر.. السياراتُ ستزيدُ كل يوم، وإن كنتم تظنون أنه يوما: «بُف! وانتهى الازدحام»، فهذا في عالم الأحلام.
لو كنتُ مسئولاً - يا لهذه الجملة التقليدية - لكان علي أن أعترف بأن هناك أدمغة كبرى في الخارج، وعرضتُ جائزةً سنيةً لمن يقدم أفضلَ الحلولِ العمليةِ لازدحام الجسر بالأجلين القصير والطويل. وليس عيبا أن نستعين بأفكار آلاف الرؤوس، فهو برهانٌ لتفكيرٍ عبقريٍّ بحدِّ ذاتِه.. فهناك حلولٌ رديفة، وهناك النقلُ بالعبارات (الهوفر كرافت – البرمائية).
نحن في عالم لم يعد مستساغا أن تنفضَ يديك وتستسلم أمام المشكلة، وتذهب لبيتِك مترنـِّما: لا حلّ.. لا حل.
إن فكـّرتم في مسابقةٍ للجسر المعلول، فتقدم يا جميلُ بالحلول !