التجارة

سنة النشر : 14/12/2005 الصحيفة : اليوم

 

.. يحكى أن رجلا متزوجا من ثلاث من النساء، أراد أن يقوم بمشروع تجاري، ولأن الظروف تمنعه من أن يستقل باسمه في مشروع، فما كان من خيار أمامه إلا أن يختار إحدى الزوجات ليكون باسمها المشروع، فقرر أن يختبرهن ليحدد من منهن الصالحة ليكون المشروع تحت اسمها، ولا تسيء التصرف فيه.

اشترى الرجل ثلاثة عقود من اللؤلؤ، وذهب لزوجته الأولى وقدم لها العقد قائلا لها إنه هدية تعبيرا لحبه الكبير لها، تفحصت الزوجة الأولى العقد، وقالت لزوجها وعلى وجهها بشائر الإعجاب والفرح قائلة: يا له من عقد جميل، بحباته المنضدة الرائعة، لو ذهبت أنا للاختيار لما وفقت كل هذا التوفيق.

ثم إنه أهدى العقد الثاني للزوجة الثانية، تفحصته الزوجة الثانية وقالت له: آه، لو أنك أحضرت معه خاتما وحلقين لاكتمل الطقم.

أما الثالثة لما أهدى لها الطقم أسبلت عينيها، وتعطفت برقة، وقالت بصوت مبحوح مموسق: أنا لا أريد الطقم، ولا أي هدية، يكفيني فقط حبك.. تخرج الميزانية الأكبر في تاريخ البلاد، وندعو الله أن يزيد من الخير خيرا في الأعوام القادمة، وكلنا نعرف أن الأسعار الاستثنائية للنفط هي السبب الرئيس وراء هذه الطفرة الكبيرة، وأنا لا أعتقد أن السنوات القادمة إلا حبلى بأرقام أضخم لأن الأسعار لا يبدو أن في الأفق ما يعكرها، فالطلب العالمي على النفط يتضاعف بارتفاع صاروخي، حتى أن المنتجين لو أرادوا بكل قدراتهم أن يحدوا من الإنتاج أو يضعوا سقفا مقبولا في سوق الطلب لما استطاعوا، فقد فلت حبل النمو الهائل في الصين والهند وحوض الهادي، وسيستمر فالتا لأمد طويل.

مادام هناك نفط فإن الدخل بأمان! الذي يهمنا أن عاهل البلاد قال كلمة مباشرة وبسيطة ولا تحتمل أي تفسير غير ما تحمله حين التفت للوزراء وقال:" والآن لا عذر أمامكم" يعني أن الخير وافر والأعمال المأمولة لمصلحة البلاد والعباد تنتظر الإصلاح والتنمية والتطوير والتقدم.

وهنا الآن الفاصل التاريخي للإنجاز، فكل له قسمته من الميزانية، وعليه أن ينفقها هللة هللة، ليس فقط بشفافية، ولكن بإنتاجية قابلة للقياس ومهنية خاضعة للمعايير، وإنتاج قابل للمقارنة والمقابلة.. وهذا يعتمد على شخصية من يقوم بمسئولية التنفيذ.

هناك نوع من المسئولين الطامعين بكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون الطمع في التحايل على النظام أو الإفادة الشخصية، ولكن لأنه لا يكتفي بما يمكن أن يحصل واقعيا، فإذا هو يجري وراء ألف مشروع ومشروع، ويتحمس لأي بداية جديدة وهو لم ينته من بدايات سابقة.. حال هذه المشاريع كثيرة تبقى مثل حال المرأة التي لم تعلق ولم تطلق، ولكنها موجودة.. وطريقة وجودها مشكلة بحد ذاتها.

فإن هناك مشاريع يُتحمَّس لها في بداية العمل أو التأسيس وتلمع فلاشات الكاميرات، وتكثر التصريحات، وتنتثر الصور في كل وسيلة إعلامية.. ثم ينطفي الضوء حتى بداية مشروع آخر، بدون أن نعرف بدقة ماذا حصل للآخرين فتبقى مشاريع لا معلقة ولا مطلقة، ولكن وجودها مسألة تشكل وضعا معقدا.

ومسئول يغرق في الأحلام، ويعتقد أن خلاص أمته في الحفاظ على كل هللة في حرزها المكين فلا يتحمس للمشاريع، ولكن ينزعج من الصرف، وتراه يخاف على مال الدولة أكثر من حرصه الشخصي على أمواله، ولكنه ينسى أنه لن يتردد في توسعة مرافق منزله الخاص متى ضاق البيت بساكنيه، ويضن بالأموال على فك الضنك عن مشاريع الدولة، وهو يعتقد هنا أنه يعبر عن حبه لبلاده، وإخلاصه الطوباوي، وحرصه على المال العام.. فلا الأمة استفادت من المال، ولا المشاريع ظهرت للعيان.. بل إن مبادرة الاقتراح للتنمية من مرؤوسيه ستتلاشى مع كل جرعة حرص زائدة.

المسئول الواقعي، هو الذي يعرف تماما أن لديه مالا يجب أن ينفقه على المشاريع المخصصة، ويعرف جيدا كيف "يحافظ" على كل هللة في أن توضع في مكانها الصحيح لتنتج بالمقابل خدمة صحيحة، ويتمتع بعقلية مفتوحة ومرنة فالمنجزون الكبار لا يسألون أنفسَهم كم حبسنا من المال (وبعضهم يعتقد الحبسَ توفيرا) ولكن سؤالهم الدائم أمام عقولهم وضمائرهم، هو كم أنجزنا لصالح الأمة.

الآن، أي من الزوجات نجحت في الاختيار؟