سنة النشر : 03/12/2005 الصحيفة : اليوم
.. يأتيني لزاوية "اسألوني" كثير من الأسئلة التي أطرحها جانبا، لأنها إما ان تكون خارج تخصص الزاوية، والبعض الآخر لأنها لأكثر من سبب لا يمكن نشرها في الزاوية.
وجاءني سؤال، أثار تقززي، وكان جديرا بأن يرحل غير مأسوف عليه إلى الإقصاء النهائي، ولكني وأنا أكاد أضغط زر الإلغاء لمعت شمس فكرة كاملة، وفجأة احتفلت بالسؤال، واهتممت بأن أرد عليه، بل ترقى من أن يكون إجابة منمنمة في "اسألوني"، إلى مقال يخصص لكامل السؤال.. فسبحان مغير الأحوال.
والسؤال هو : "لماذا تصر العائلات السعودية على طلب مهور عالية على بناتهم، بينما أجمل النساء في كل مكان برخص التراب؟" سؤال يغيظ، أليس كذلك، وقد أغاظني.. لكن للوهلة الأولى.. ثم بعد تأنٍّ رأيت أنه سؤال مهم، وصار علي واجباً أن أجيب.
وأنا أقول إن السر في النفاسة. وقاعدة اقتصادية في أن كل معروض يبتذل في عرضه ينقص ثمنه بازدياد، وكل ما قل عرضه غلا ثمنه.. لكني هنا لا أتكلم عن العرض العادي للسلع والمنتجات، ولكني أتكلم عن أنفس ما يملكه الإنسان .. رقي جسده! وهذا الرقي هو الاحتشام. الاحتشامُ من النفائس كما هو الحجر الكريم يبقى نفيسا لاحتشامه في المناجم، ورخص الكريستال مهما لمع وأضاء وتلون لأنه في قارعة الطريق وعلى كل رف.
إن المرء في كل مكان بالدنيا يقل كرامته أمام الناس، وأمام نفسه بعدئذ، إن عُرض عاريا أمام الناس، بل إن هذا كما رأينا من وسائل التعذيب في المعتقل الأمريكي الكاريبي السيئ الصيت. وعندما يبدأ الإنسان ( رجلا وامرأة) بكشف ساحات من الجسد، يقل احترامه أمام غيره، ويكون هو قد فقد الاحترام لجسده قبل ذلك.. فأهانه. ولست أنا الذي أقول ذلك، ولا فقط المجتمعات الشرقية، ففي الغرب يستخدمون صفة للتحشم وهي كلمة (ديسينت) ومقابلها العربي "التهذيب".
فهم يمنعونك من دخول الأماكن الراقية والمحترمة إن لم تكن بلباس مهذب.. أي أن يكون الرجل في حِلـّة كاملة، وكذلك المرأة في زي رصين.. إذا تستنتج منطقيا أن من لا يعتني باللبس اللائق في الغرب يكون غير مهذب. وأنا أسأل سائلي إذا ما قيمة قلة الأدب والذوق؟ وما قيمة الأدب ورقي الذوق؟ النساء اللاتي وصفتهن بأجمل النساء في كل مكان، اختر الصفة لهن من السؤالين ثم ستجد مبرر قيمتهن المتدنية .. والقيمة الأخرى لبناتنا.
علينا أن نفهم أن ما تكلمتُ عنه سابقا، هو القيمة المباشرة المتعلقة بفضائل الذوق والاحتشام والأدب.. ولكن هناك قيمة ضائعة يا سائلي لا تقدر بثمن الدنيا.. فإن من تعرض جسدها فإنه جسد لكل الناس، ولا تملكه حتى هي..
وإني أشكر سائلي على السؤال، ورغم موقفي المعارض للمبالغة في المهور،أرجو الآن أن يكون قد فهم لماذا بناتنا، حقا، لا يقدّرن بثمن!