السوق العالمي
سنة النشر : 22/11/2005
الصحيفة : اليوم
.. دخلنا نادي التجارة العالمية، يا مرحبا.
ولكن مهلاً.. قبل أن ندخل المنافسة الأممية، فإن علينا أن ننجز أشياءنا الداخلية قبل ذلك، أن نحل مشاكلنا الصغيرة.. إنك عندما تريد أن تقف شامخا فلا بد من أرض صلبة تحملك.. إن كان ما تحت قدميك رخوا، فإنه لن يتهيأ لك حتى القدرة على الثبات، هذا إن لم تغص قدماك.. ثم كاملك!
إن مجمل عمل الأمة ليس فقط أن نبيع منتجات البترول بدون الضرائب على حدود أوروبا وآسيا وأمريكا. إن المنافسة تبدأ بجودتنا كلنا أفرادا، ومجتمعا، ومنفذين، وتجهيزات حياتية متكاملة بأقصى ما نستطيع. ولكن هل نحن نفعل ما نقدر أن نفعله في القدرة العادية، ناهيك عن استنهاض أقصى ما نستطيع؟ بودي أن أجيبكم بنعم.. ولكني هنا لست مستطيعا أن أخبئ الشمس بإصبعي. ما زلنا لا نستطيع المنافسة، لأن مهام كثيرة لم تـُنجز، ليس لأنها في خطط المستقبل، ولكن لأنها عُملت في خطط الماضي.. ولم تصل لما يريحنا أن نسميه إنجازا، عندما يكون الإنجاز هو الإتقان..
من مشاكلنا الصغيرة التي لا نحلها مع أن الزمان يكررها أمامنا وفوقنا وتحتنا، هي أن تعوم المدن بالمياه عند زخة مطر. كنت أقرأ فرحة الوسط الرسمي بالدخول لمنظمة التجارة.. ولم أستطع أن أشاركهم الفرحة وشوارعنا غرقت قبل أيام في دقيقة مطر.
لقد خضت الشارع من الرصيف للرصيف والماء لمنتصف ساقي.. في دقيقة صرنا البندقية! كيف لو أن الأمطار استمرت أياما؟ هل سيكون لنا جَلـَد على السباق العالمي في تصريف المياه؟ نهدر الطاقة، وندمر البنية التحتية، ونحن محتاجون لكل قطرة طاقة عمل، وكل سنتيمتر من كل بنية تحتية.
هل سنخوض المنافسة العالمية بأفرادنا، وهم يا قوم، في المنظر الاقتصادي أهم عناصر الإنتاج، ونحن بمدارس تتهاوى، وبجامعات لا تستقبل إلا قطرات من خريجينا من الثانويات، والعمل الجامعي الذي لم يواكب السوق ولا ميادين البحث العلمي؟
هل نغزو الدنيا بمستشفياتٍ لم تعد تجد بها الأدوية؟ أو بموظفين فقدوا الحافز العملي من زمان، ويذهبون وهم يفكرون في الخروج، ويخرجون وهم يتخوفون من الذهاب؟ هل الخطأ منهم؟ أو من بيئة العمل؟ أو من افتقاد الموظف فرديته ضمن الجموع الرقمية؟
هل ننافس الدنيا، ونحن لا ننافس البحرين في مرونة الإنجاز على جسر الملك فهد؟ أمس قست والله الوقت وأنا قادم من البحرين فإذا أمامي سيارة، وانتهينا بدقيقتين. وأصل جوازاتنا والمنظر مرعب.. موكب من السيارات، ونافذتان فقط. وترى أننا لا نرغب في المنافسة ولا التحسين.. ما الذي منع باقي النوافذ؟ يمر الوقتُ برقاً في الجانب البحريني، ويتهادى سلحفائيا في جانبنا.. أين أي روح للمنافسة، ونحن لا نأبه ، ولا نريد، ويضيع الكلام هباء، ويكرر مرارا، ثم يجرفه الهواء.
ندخل العالم الكبير، وصحافتنا في الخارج أكبر من الداخل، وإعلامنا فضائيا كله في الخارج، والذي في بلدنا ما زال قابعا على الأرض.
نحن مجتمع لم يتعلم أن يصون ممتلكاته العامة.. فكيف سيأكلنا قلبنا على فوز بلدنا تجاريا بالخارج؟
وعسى، وربما، دخولنا السوق هو اللطمة التي تجعلنا نستيقظ على الدنيا تسيل علينا لعل حلاوة الروح تعلمنا العوم، نحن الذين نغرق في دقيقة ماء!
إن كان السوق العالمي سيحقق لنا ذلك، فافسحوا لي مكاناً مع المحتفلين.