الروح النسائية

سنة النشر : 08/11/2005 الصحيفة : اليوم


سألني الأستاذ طارق العريفي من البحرين في زاوية اسألوني عن رأيي في سلسلة كتب مشهورة بعنوان: حساء الدجاج المفضل للروح النسائية chicken soup for the woman's soul  يسألني إن قرأته. ولقد قرأت بالفعل معظم سلسلة هذه الكتب ذات الشعبية الجارفة وهي قصص إنسانية كتبها ناس عاديون ثم جُمعت في كتب وصُنفت: للروح النسائية، ولروح الأبوة والأمومة، وروح المغامرة، والبقاء وغيره. وهي قصص مؤثرة وجدانيا، ومنها قصة أوردتها مرة الدكتورة الطعيمي عن قصة أم تشجع ابنتها، وقصة أوردها قبل أيام قليلة جعفر عباس ولكنه بطريقته أضفى عليها الروح المحلية.

وقد لا يكون الكاتبان نهلاهما من عين هذه السلسلة، لأنها منثورة في كثير من الدوريات مثل "الريدرز دايجست" والرسائل المتبادلة بالإنترنت وخلاف ذلك. والسيد العريفي طلب مني طلبا ذكيا جدا ويدل على "روح" ممزوجة بالعرفان الإنساني للبطولات الفردية المعمورة، لأنه يقول: في حاضرنا وتاريخنا نساء أنجزن أروعَ قصص التضحية ولم تـُكتب لأنهن لم يفكرن في كتابتها. وفاجأني بأن أختار بطلة أكتب عنها ليتكوَن - حسب ما يأمل - نواة لكتاب مماثل لبطولات نسائية مغمورة..

وأضم صوتي لطارق العريفي وأود لو تأخذ كل قارئة وقارئ ورقة وقلما للكتابة عن قصة مؤثرة إنسانيا حصلت لهم، أو لمن يعرفون، أو سمعوا عنها.. وربما يوما تصدر هذه الجريدة أول كتاب عربي بهذا المعنى.. ونقترح عنوانا: الروح الشجاعة للنساء.. أو للرجال، أو للمغامرة، أو للإيمان .. ثم يتدفق النهر.

وأختار أنا اليوم تلبية لطلب صديقي طارق قصة بطولة حقيقية، وبيقيني أنها تفوق بطولات النساء في التاريخ المعروف.. إنها البطلة الصابرة القوية التي لا تعرف إلا الثبات، ذات النطاقين، أسماء بنت أبي بكر. وهي بطلتي الأولى من طفولتي الباكرة وما زالت! البطولة ُوأسماء اتحاد لم ينفصم..

تعرفون أن أسماء كانت الفدائية الأولى في الإسلام، والفدائية العربية الأولى (هذا قبل أن يُغيَّر المسمى ليكونُ الفداءُ إرهابا) وهي عاشت في حادث الهجرة الكبرى التي تمخضت فيما بعد عن أكبر فاصل تاريخي غير وجه المسيرة الإنسانية .. وقصتها معروفة عند معظم من قرأ وطالع التاريخ الإسلامي ولو بترفق، حيث كانت بشجاعة منقطعة ونادرة تنقل الطعام والشراب للمهاجـرين العظيمين.. غير أن هناك مهمة أخرى قليلا ما تـُروى، وهي قد لا تكون بأهمية الطعام والشراب، ولكنها تتطلب جسارة أشد، وشجاعة قلبٍ قـُدَّ من حديد.. ومن نفسٍ لا يطوفُ بها الخوف.

كانت في ذلك الوقت صغيرة السن ولكن بشجاعة تزن الجبال، وبإصرار يفوق إرادة جيش.. فأدت دورا رائعا، ودقيقا، وحرجا وخطرا، وهو أن تكون "عيءن" النبي الكريم بين أوساط كفار قريش، وهو دور إيجابي تحتاجه أي حركة في التاريخ، ويسجل مؤرخو الثورات الكبرى أن العيونَ هي أول أركان تصاعد الثورات ونجاحها من بعد. كانت أسماء تؤدي مهمة ترصدية ( تجسسية إن شئت) من نوعين.

نوع صعب، وهو تلقط الأنباء من تجمعات ومجالس وندوات مكة، ونوع أعقد صعوبة (حتى في أيامنا المعاصرة ) وهو ما يسمى الآن بالتجسس المضاد، فقد أوكلت لنفسها مهمة كشف العيون التي بثتها قريش الحانقة لتترصد المهاجرَين العظيمَين اللذين هاجرا بأغلى معتقد على الأرض. وبينما كانت تؤدي ذلك وحيدة، معزولة، يافعة، متبرعة بحياتها .. كانت قريش قد عينت عيونا من أذكى المهارات الراصدة ووعدتهم بالمكافآت الفخمة إن أتوا بخبر عنهما، أو أتوا بهما ميتـَيـءن، أو على قيد الحياة..

ونجحت البنتُ الصغيرة نجاحاً مذهلاً في إرباك مدينة كاملة بكبار رجالاتها، وسعت في نقل الأخبار لمقر القيادة بمهارة وشجاعة وحصافة.

.. إلى أن شكت قريش يوما بكثرة تكرار خروج البنت.

وغدا نتابع ما الذي جري.