اليوم الوطني
سنة النشر : 20/09/2005
الصحيفة : اليوم
.. اليوم الوطني الجمعة المقبل، ولقد تم اعتباره يوم عطلة، أي سيعوض بالسبت المقبل.. جميل!
والأقل جمالا، أن يكون اليوم الوطني مجرد يوم عطلة آخر، ننتظره فقط لأنه يوم لا نذهب فيه للمدرسة، أو لا نضطر لأن نستيقظ باكرا للحاق بدفتر الدوام، وأن يكون يوما للراحة، أو يوما تُرتب له البرامج للترفيه أو السفر، او أي أوجه لقضاء الوقت.
نريد شيئا نفيسا فوق ذلك ، وهو كيف يتعزز مفهوم اليوم الوطني لشحذ الأذهان لمزيد من الأفكار كبرت أم صغرت للوطن، وكيف ينمو الحب داخل القلب للوطن؟ أي ألا نكتفي بيوم سنوي ننتظره على التقويم كما ننتظر عطلة الربيع، حتى لو لم يكن هناك ربيع، فينشأ تقليد آخر غير ربيعي، ويستحق أن نطلق عليه إجازة التخييم.
ولا نريد أن يكون اليوم الوطني مقننا ومقولبا بلا روح ولا متعة ولا إشعال لخلايا التفكير وآلية المحبة والانتماء، لا نريده أن يكون يوما فيه برامج محفوظة سلفا عما سيقال وما سيذكر، أو مقابلات جامدة تعداها الزمن ولم يعد أحد يهتم بها، أو يترقبها، أو حتى يتابعها. نريد تفعيلا مزهرا لليوم..
ولا يجب أن يؤخذ ما قلت سلفا انني أعترض على تلك البرامج التي اعتدناها والمقابلات، أو على النصوص المقولبة، بل كانت جيدة في حينها ومفيدة وربما ممتعة، على أنها نفضت كل ذلك من زمان، فلم تبقَ فيها إلا شبحية التكرار، والتكرارُ من أول نتائجه الملل.. والمللُ يشل وظائف حيوية من الإنسان ومنها الحماسة والتفكير والقدرة على الاستمتاع، ثم الشيء الذي أريده ألا يتحقق، أي نسيان لفكرة المناسبة من أصلها!
الذي نأمله، هو إدخالُ الفكر العملي الديناميكي التحفيزي لهذا اليوم، ليكون يومَ نشاط لإعادة توثيق الإرتباط بالوطن بالمساهمة الفردية، وان نجعل هذا اليوم وكل دقيقة فيه تنبئنا بحقيقته ومعناه وأهدافه. والسبل كثيرة، والوسائل أكثر، والأفكار ستسيل، وينتقل اليوم الوطني إلى مهرجان حيوي فكري تبادلي تفاعلي يعيد ضخ الدماء للانتماء عاما وراء عام.
من الصعب جدا أن تسرد الأفكار التفصيلية في مقام ضيق ومرسوم الحدود مثل هذا، ولكن متى رفعنا الحجءرَ عن ممر المياه الفكرية التفاعلية سنجد أن الأرضَ ستمر بها المياه، وستزهر من جديد.. لأن حب الناس لبلادهم لا يقل، ولكنه قد يختفي لأنه لا مخرج لإظهاره وتنميته.
أعطيك مثلا: تطلع في الصحراء المجدبة وستجد أنها قاحلة بأي حال، على أن هذا ليس هو الواقع لآلية الحياة بها، لأن لها ضميرا وذاكرة، فعندما ينزل المطر على الصحراء مدرارا تنقلب في أيام إلى سجادة على مد النظر من النبات والزهور والثمار.. ولا تنسى الصحراءُ أن تفعل هذا كل موسم مطر!
اليومُ الوطني نريده أن يكون المطرُ الذي يعيد في أرض قلوبنا وضمائرنا وعقولنا الضميرَ والذاكرة!