شبابنا
سنة النشر : 06/09/2005
الصحيفة : اليوم
" كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"
.. أخبركم بكل صراحة ، أن صورة القتيل في هذه الجريدة بعدد الأمس، ملأت قلبى حزنا وأسى. لا أستطيع النظر في وجهه الذي أخرج بشكل بارز، وأخذتني عاصفة كاترينية عاطفية جعلتني أسأل لماذا؟.. لماذا كل هذا؟! من انتصر على من؟! من الخاسر في آخر اليوم؟!
هذا الشاب مات لأنه سلك طريقا خاطئا، وضـُلـِّل ضلالا مبينا بلا أدنى ريب.. ولكنه يموت في عمر الزهور، ولم ير الحياة، وإنما رأى ظلامات الحياة، حتى مات وحيدا، ساقطا، يتجمهر عليه الناس في أفظع ما يمكن أن يتخيله أي إنسان لنهايته. ونحزن حزنا لا يمكن إخفاؤه، لأم هذا الشاب التي ترى ابنها صريعا على شارع.. ونحزن من أجل أبيه، ونحزن من أجل خاتمته..
وأغضب غضبا يرتجل في كل كياني لمن ساهموا في موته، وساهموا في وضع شوكة سامة في خاصرة الأمة، هؤلاء جبابرة الشر الذين أرسلوا المسكين الصغير ليكون مسلوب الإرادة، أعمى التمييز، ليكون آلة قتل.. قتل من يظنهم أعداءه، وهم إخوته ولحمه ودمه، وقتل نفسه لتنتهي حياته، كي تبدأ حياة من الضنى، والدموع، والتيه، والحزن المقيم، لذويه ولأهله ولمحبيه.. يا إلهي، لماذا كل هذا؟
.. في الجهة الأخرى نفقد شبابا هم هؤلاء الجنود، الذين يموتون وهم يدافعون عن أمن المجتمع، ونسأل الله أن يكونوا من أحيائه المقيمين في الجنان.. ولكن هذه هي النتيجة: نفقد موتى منـَّا في النهاية، في عبثٍ آسنٍ، صفته الوحيدة، التجرد الكامل من كل الدوافع الآدمية.
ما العمل إذن؟ هل سنقضي على هذه الموجة الإرهابية الغبية الدموية ؟ من الصعب أن تنتصر بسهولة على الأشباح، ومن أكثر الأمور تعقيدا أن تواجه من لا وجه له؟ من دواعي الخطر أن تمد يدك في الجحور العميقة حيث تتطوى الثعابين السامة. ولكن لا حل آخر.. وإلا تكاثرت الثعابين!
العمل، الذي أراه، يبدأ من تلك الصورة التي لا أريد أن تقع عيناي عليها مرة أخرى، وهو أن تنتبه كل أسرة لأبنائها الذين هم أسرار السعادة ومن بواعث التمسك بالحياة، تنتبه لكل خطوة يخطونها، إلى كل مكان يذهبون إليه، إلى كل مجموعة جديدة يتعلقون بها، إلى كل شاردة فكرية جديدة تطرأ على أذهانهم الغضة المتحمسة الصغيرة.. على كل أسرة أن تحمي أبناءها بنفسها. وسيكون الدافع القوي المؤثر لكل أم ولكل أب هي تلك الصورة العاصرة للقلب لمشهد الشاب الصريع وحيدا على الإسفلت الأصم.. وكأنه حشرة بصقتها الحياة.
ولو وجدت شيئا طرأ على ابنك - قطعة من قلبك - ورأيت أن الأمور تبدو جدية وكأن الأفاعي بدأت تتسرب في تلافيف عقله، فلابد أن تتصل بالجهة الرسمية، ليس فقط لحماية مجتمعك، بل من الدافع الأول والمهم، حماية من هو عندك أعز مخلوق يمشي على أديم الأرض.. ابنك! وأنا واثق أن من ضمن الخطط القوية والصحيحة عند سلطات الأمن هي إدراج وسائل إقناع وإعادة تأهيل للفتية التائهين، وأنك أيها الأب وأيتها الأم لا تسلما ولدكما إلى سجن أو إصلاحية، وإنما إلى مدرسة للتقويم. وعلى السلطات إقناع الأهل بذلك، وهم بطبيعة غرائزهم يحتاجون الى أكبر الأدلة وضوحا واقتناعا.
لنتحد على رأي واحد، لا نريد أن يموت من شبابنا أحد!