مرض اسمه، الوله..

سنة النشر : 26/05/2002 الصحيفة : اليوم

 
لما انتهيت من قراءة قصة ( الوله التركي) للروائي الأسباني أنتونيو غالا وصلت الى ما يؤكد قناعاتي الأولى في مسألة الحب الصاعق الذي يسلب الالباب ويعطل خلايا الحكمة ، ويعشي النظر ، ويخبط الاتجاه الواقعي في حياة من يصاب بهذا النوع من العشق...
 
ولقد قرأت القصة كاملة ، واستمتعت بحبكها الروائي وأثنيت بيني وبين نفسي على مترجم الرواية إلى العربية من الأسبانية ، خصوصا باختياره هذه الكلمة المعبرة... « الوله لم از من يوما في حياتي بالعشق ولا بكل مظاهر وتباريح الوجد ، وما صنفته إلا كنوع من الخبال المرضي النفسي الذي يتطلب علاجا وتدخلا لإنقاذ حياة المريض وتجد في قصص الف ليلة وليلة أن العشاق يغمى عليهم من فرط الصبابة، ويموتون عشقا وفي الأثر الغربي قصص عن الموت عشقا في الحكاية الشكسبيرية المشهورة عن روميو وجولييت وعن قصص تضحيات للعشاق تحدث في أكثر أصقاع الأرض برودة عاطفية أو كما نظن أنها كذلك، فإذا معشوقة الشعراء الاسكتلنديين ستيلا ، تحوم حولها أرواح الموت، وتجد ان آلام فرتر من أكثر القصص الغرامية التي تهيج الدمع والشهيق المسموع وتعجب أن يحب ألماني بافاري امرأة متزوجة ويتمكن فيه الوله حتى ينتصر إذن الوله ليس حكرا على الشعوب العاطفية الشرقية، ولا هو مجبول من عصور زمنية رومانسية..
 
إنه يحدث كل يوم وفي كل مكان وفي كل جنس... وقصة البنت الاسبانية التي كتبتها هي ووصلت الناشر كما يؤكد غالا) اسمها دسيديريا فتاة وهي عصرية من البرجوازية القشتالية الوسطى وصاحبة حظ من الثقافة والعلم يتعلق قلبها بشاب تركي لعوب و تفتتن به افتتانا شغلها عن ذاتها، فذابت به ذوبانا كليا ونحرت حاضرها ومستقبلها فداء لرمشة عين من أهداب التركي الثقيلة السواد كما تصفها..
 
تركت دسيديريا أسبانيا وعاشت كل حياتها جارية بشقة حقيرة في دروب اسطنبول مخدرة مذهولة بوله تركي قادها في النهاية للإنتحار، لأن اللعوب التركي مال الى غادة فرنسية وهي قصة عظيمة تعلن بدقة مدهشة عن انهزامية العقل البشري أمام الطغيان العشقي الأسر... العشق مرض مازوشي، والحب الهادي ( مثل الحب الزوجي) هو طاقة القلب وطاقة العقل...
 
العشق نوع من التعذيب الذاتي مثل الذي يكاد يموت عطشا ثم يذهب للنبع ويبلل شفافه فقط ليعود منه أكثر ظماء فهو لا يريد ارتواء وإنما انهاكا ظمنيا مميتا. لكن الحب الهادي هو الاقامة الدائمة عند ضفة النبع!