رسالة صاخبة 1

سنة النشر : 12/05/2002 الصحيفة : اليوم

 
.. ولما كنت أتريض في الشارع البحري، ليس فقط محاولة لحرق الدهون التي يقول الأطباء انها تحرق القلب، وتسد مجاري الدماء، فتقصف الصحة وتعجل في الأجل، وانما ايضا البحث عن الانسجام مع النفس الداخلية ، والتواصل الهادي مع الذهن، والارتباط المريح مع عناصر الخارج.. لذا فالتريض نوع مهم في العلاج ضد الكآبة وضغوط الحياة... على أن الاشياء لاتسير دائما بالوتيرة المنسجمة المتناغمة التي تأملها فجأة رفعني من الأرض وفجر جمجمتي صوت انفجار هائل وكدت بالفعل اقفز مختبئا وراء الرصيف (وهذا كما ترى من تأثير ما نراه ونسمعه من عنف في نشرات الاخبار، وفي الأفلام، وتعلق لا وعينا بمجازر اليهود في فلسطين)..
 
قرأت البسملة غريزيا أكثر من مرة، وما أن انتبهت حتى كان كل شيء واضحا بصخب امامي... نعم فقد مرت كالسهم المارق سيارة صغيرة بيضاء من جانبي بها بعض الصبية ولو لم أرها تسير على عجلات لكنت مستعدا لان اصدق انها كانت سماعة ضخمة تطلق اصوات الموسيقى بأعلى صوت من الممكن ان تتحمله الاذن البشرية.. كان صوتا سريعا مثل ضربة البرق الرعدي مثل انفجار بركان.
 
ولما مرقت العربة كانت اذناي مازالتا تضربان بعضهما وتطو حانني مثل الدوامة وتصفقان اعصاب الرأس. على أن موعدي مع ثورات الرعد لم تنته ولكن هذه المرة بوقت ممتد وبمشهد آخر. فقد وقفت السيارة وهي وقفة كادت تقشع قشرة الأرض ، وانطلق صوت مهيل مع أدخنة برائحة المطاط المحروق بفعل الضغط على المكيح المفاجئ ثم انشرعت الأبواب الاربعة وخرج الصبية متكسرين مثل أغصان القمح قبل الحصاد.. وبدأوا في حفلة رقص بوهيمية مع صرخات تشبه عواء الذئاب الوحيدة ، وتقعصوا ولفوا على انفسهم ، وهزوا اكتافهم وارتطموا ببعضهم وطوحوا اقفيتهم ثم رموا قبعاتهم وطواقيهم ولفحوا بشعورهم القابلة منها للفح...
 
ثم مرقوا داخل السيارة كسناجب الحقول لما تلج جحورها ، وانطلقوا بالسيارة بصوت صرير يفلق الرأس... بعد طقوس سريعة من الصخب العظيم. وبعد أن زالت المفاجأة وخف الدوار.. ضعت بين اشاعير كثيرة من الغضب والانزعاج والتساؤل. فجأة طغى شعور غامر احسست بقرب شدید لهؤلاء الشباب بل اني اشفقت على حالهم واقتنعت تماما بانهم ارسلوا لي- وللمجتمع- رسالة صاخبة... واحدثكم في الغد.