رفيقتي الحلوة
سنة النشر : 26/03/2002
الصحيفة : اليوم
كنت ساهمًا أفكر أمام لوحة المفاتيح ، فراسي مليء بالمواضيع الجادة ، فالعالم نيران تتلظى في أكثر من مكان والمواضيع تتقاتل وتزدحم وتتصارع وكلها تريد أن تخرج من هذا الرأس المشحون ، ولو حبراً على ورق... ومازلت ملتصقا مجمدا أنظر إلى الشاشة لعل رأسي يستقر ومازالت أصابعي جامدة على لوحة المفاتيح تتلمس. أي أوامر من الدماغ إلى أن أقبلت علي فجأة.. نظرت إليها فنظرت إلى ابتسمت لها، فتلفظت وتعطفت وتكسرت بدلال ورشاقة ، ولم تتحرك وكان كبرياءها منعها أن تأخذ البادرة الأولى على أني رحت أتأمل الجمال والتناسق يا سبحان الله.. لقد أدهشني جمال عينيها الواسعتين المتسائلتين الثابنتي التحديق كانتا عينين بركانيتين ملتهبتين، وتعجبت كيف تكون الحمم المصهورة في غاية الجمال.. لم أتحرك من الكرسي وأشعلت جهاز التلفزيون وبدأ شارون يملأ الشاشة بجلد وجهه الشاحب المترهل فتعوذت من إبليس ونظرت إليها فقفزت بخفة مذهلة متجنبة المنظر البشع ، وتقدمت بهفهفة ورقة شجر خريفية ثم استكانت، وتأملت جموعاً من الأطفال- الفلسطينيين يبكون جوعهم وضياعهم ثم كان شيئاً انطقاً في العينين البركانيتين..
هبت نسمة هواء باردة من النافذة المفتوحة وانفرد شقا الستار كجناحين ضخمين لطائر خرافي فجرت ثم توارث على خلف الستارة الهابطة وبدأت أعطافها من خلف الستارة كالهلام المتموج، وأطلت برأسها وحدقت بي بثبات ومسحت عيني وجهها الدقيق والفتها اللطيفة، ووداعتها الشاهقة إلا أن عيني مازالتا جمرتين من الزمرد المصهور في بطن الأرض ولما كانت هية الهواء قطبية باردة فقد استسلمت وتقدمت إلي ببطء. وبنظرات عاتبة لعدم مبادرتي ولمحات من الغيرة لتعلقي بهذا الجهاز الذي يعلقني أمامه ولكنها اندفعت بخفة وكان الجاذبية انطفات، وتكومت حولي وأرسلت إلى نظرات كشظايا من الورد واتعكفت وترنحت وسحبت خواصرها بمرونة إعجازية وبانت أشكال عظام الصدر كقطع من المطاط.. آمنت في هذا الإعجاز الرباني في اكتمال خلقه.. ثم تكورت ودارت بخطفة البصر وانطلقت بكل رشاقتها لا تكاد تمس الأرض ودارت كأعظم رقصة يؤديها مخلوق وانحلت وراء الباب.. وودعتني من البهو وهي. منطلقة مياو مياو!