وفاء .. يوم أنجبت

سنة النشر : 04/02/2002 الصحيفة : اليوم

 
لقد وقفت الفتاة ذلك الصباح في حجرتها الضيقة والدتها المريضة بعجز القلب مطروحة على السرير الخشبي ، لقد أصبحت هذه الأم المريضة أقرب الناس اليها ليس روحيا فقط فهي تشاطرها الغرفة كما تقاسمها. الآمال ، والآلام والأحلام.. ولما حاولت ان تجهز زينتها استعدادا للخروج ، نظرت الى وجهها في المرآة.
 
كان وجها شابا طازجا على أن جروح الحزن لا يمكن أن تخفيها. الملامح المليحة.. ثم انها ركزت على هذا الشرخ في المرآة وابتسمت بمرارة.. ما أشبه هذه المرأة المشروخة بحياتها المشروخة... هاهي تعيش حياة تعصرها نشاطا وحيوية ومشاركة حتى آخر قطرة.. كي تستطيع إكمال مسيرة الحياة بدونه بدون رفيق الطفولة الأولى والحبيب الأول | والأخير.. والذي دخلت عليه زوجة له وهي في السادسة- عشرة من عمرها.. انه العمر الذي نبدأ فيه الحياة.
 
بدأتها.. وانتهت هذه الحياة أو انتهت بواعثها ورونقها بعد ان قرر أن يتركها لأنها لا تنجب.. لقد تركها ، ومن الباب الذي خرج منه خرجت معه معنى أن تذوق طعما للحياة.. ا لم تعرف إلا ان تكون له... ولقد فرحت ورقصت كالعصفور الراقص على مذبحه في مناسبتين يوم تزوج معا.
 
الحبيب الثانية، ويوم جاء طفله الأول..... كانت قد التحقت بالعمل التطوعي في الهلال الأحمر.. وقد تعرفت على ألم آخر وعلى حب آخر.. حب خدمة هؤلاء الذين تشطر اجسادهم مدايا ورصاص اليهود.. ولقد عزمت على كره كل يهودي وكان كرها مختلفا تطور كالبركان في مرجل نفسها الفتية لما جمعت يوما أشلاء دماغ شاب تظاهر ضد اليهود ، ولما حضنت ذراعا مبتورة لفتى آخر.. كانت الدماء والصراخ والغضب والانتقام والظلم ينمو بركانيا.. كان لا بد للبركان أن ينفجر.. لذا انفجرت وفاء ادريس في جمهرة اليهود انفجرت حيا للأرض وحبا للحبيب الذي اقتلع القلب.. وثارا لكل صرخة ألم من الظلم والجور.. وفاء.. أخيرا أنجبت!
 
*بإيحاء من تقرير هديل وهدان في جريدة الشرق الأوسط.