شيء من محسون جلال
سنة النشر : 28/07/2002
الصحيفة : اليوم
كل معرفة هباء، الا إذا رافقها العمل... جبران ان شعورا يتدفق حيا كلما تذكرت استاذي في مادة الاقتصاد.. كان استاذا متميزا فوقيا نزقا عبقريا ساخرا كان هو البروفسور ولا استطيع ان اتخيل سفة بروفسور في الاقتصاد لغيره انه الدكتور محسون جلال.. كلما تذكرته سرت بي حية طازجة مشقة، راجفة رهبة التلميذ الأول امام مارده المعلم الاول ولقد تتلمذت في حياتي المعرفية اكاديميا ( ولمدة قصيرة) وفي حياتي العملية ولمدة اطول) على عقليتين شرستين عبقريتين شقيتين وكانتا بركانا لا يهدأ من الذكاء الحارق والطبيعة المحرقة هما الدكتور محسون جلال في الوجهة الاكاديمية والدكتور فايز بدر في الوجهة العملية... كلما تذكرتهما تلبستني رهبة التلميذ المصروع أمام المعلم الجبار واظنهما من طينة نارية واحدة... هذه الطينة مجبولة بحب مخيف للعمل المنجز المتميز ولاهما يرضيان عملا الا بطبيعة الرواد من متسلقي الجبال لانهما كانا يحرصان ( بغرابة- وحماسة عنيدتين على ركز عليهما على طبيعة انجازهما ، واتعبهما ذلك كثيرا، واتعبا من عمل معهما كثيرا... لا يعني بالضرورة أن تحب طريقتهما ، ولا يعني واجبا أن شكره مدرستهما وطبيعتهما.. لكنهما كانا مختلفين مؤثرين. وهي سمة الكبار. كان محسون جلال قد خلع الروب الجامعي وحاول ان يلبس عباءة رجل الاعمال، الا ان طبيعة الروح القلقة التي- تلب من مكان غامض في عبقر تجعل استاذيته تطفى وريادته تسود فتقود فهو يريد بناء مجد ، اقتصادي، لم يرد بناء ثروة مالية أو انه اراد بناء ثروة مالية مشروطة بالمجد الاقتصادي كان يدفع ضريبة المفكر وأن حمل حقيبة المستثمر..
كان يحب نفسه متميزا بل هو اكيد من ذلك.. على أن الحياة ليست دائما صفوفا من التلاميذ.. أعرف أن استاذي المهيب عانى من ذلك كثيرا ، وأعرف أن من عمل معه عانى كثيرا. اعذره وأعذر من عمل معها الدكتور محسون لم يكن له من الحظ والملاءمة كما كان لزميليه في كلية تجارة الرياض اللذين قادا قطاعات كبرى في البلاد غازي القصيبي- وسليمان السليم. ربما كانت عقليته البركانية السبب الادارة الكبرى لا نتحمل الحمم! هاتفني بعد مقالات كان يقرأها لي.. لم يكن يثني على أي منها... بالنسبة لي كان الثناء الأكبر أن رجلا عملاقا بهاتفني قال لي مرة أوسكار وايلد يعتقد أن العمل لعنة تحيق بالعاملين... قاطعته قائلا: يادكتور العمل نعمة.. وردد يضحكته المعروفة التي تأتي مكتومة من طرف فمه: نعم نعمة نعمة مضى زمن طويل على ذلك.. مازال صوته بنبرة حجازية حاذقة باقيا طازجا في أنتى معرفتي به قليلة لكنها كانت نعم نعمة.. نعمة!!