«قلبي على فتاة المصعد، وغيمة الجراد»

سنة النشر : 23/06/2002 الصحيفة : اليوم

 
كان الحرّ خانقا في المصعد الذي اكتظ بالناس في هذا المستشفى الضخم في احدى دول آسيا القصية... وغمزت لعمي الذي كنت معه طوال الرحلة أن يتامل في وجه الطفلة الصغيرة وهي تحمل مولودا ملفوفا | بقمعه.. كان وجها طليقا ، مضينا برينا ، ناضحا بهبات بواكير الحياة.. كانت بالكاد تتجاوز السادسة عشرة ، وأكبرنا حرصها على المولود واحتضانها الحميم له.. وبجانبها امراة في أواسط العقد الرابع تبدو مزهوة بشبابها ، وبرونق من النشاط والتانق | وسأعود لهذا الموقف لاحقا.. ولما كنا في سيارة الأجرة- أصر السائق أن نقفل الأبواب ، وعرفنا لم كان ذلك في لحظات.. عند أول إشارة حمراء هبت غيمة من الأطفال مثل الجراد.. بعضهم تعلم أن يمشي قبل عدة- أيام... النظر الى وجوههم المتفحمة من الغبار ولفحة الشمس والقذارة ونقص التغذية يهز كل ذرة ضمير وعاطفة.. منظر لا يطاق.. على أن المجتمع تعارف على أن يعتبرهم طفيلات ضارة، وأنهم مقلب افرازات المجتمع..
 
لذا طلب السائق احكام قفل الأبواب.. على ان اشياء قفلت قبل ذلك، هي ضمير هذا المجتمع وقلبه تطل من الشارع الثقيل الازدحام وترى قنطرة حجرية يتسرب من تحتها إلى البحر نهر.. أو مجرى كان شهرا، فقد لونه من كدمات الطفح والأوساخ والملوثات على ضفتيه أكواخ مهترئة من الكراتين مرصوصة بالآلاف.. يقال إن هذه الأحياء المعدمة تصدر صناعة ضخمة هي بيع لحم الأطفال والقاصرات الطواحين النذالة.. كما تمد العالم السفلي بطاقة لا تنتهي من الجريمة.. أعود الى بنت المصعد... تلك الطفلة التي فطمت قبل سنوات قليلة وسألت أهذا المولود أخوك أم أختك ؟ قالت: لا! إنه ابني.. واما الشابة الأخرى فهي أمها.. عقنا!! ثم استفسرنا عن الأب قالت في المدرسة ولكن لا شأن له بنا!!.. على أن هذا هو مولودي الثاني (!!)... هل هوى بنا المصعد؟
 
شيء مهم في هذه الدولة ، تهاجم صحفها وحكومتها بلدنا لأننا نسيء معاملة مواطنيها (!!) نفاق مثل تمثيلية لا يصدقها أحد.. ولكن يشاهدها الجماهير.