الأمانة، ونحن، والطفل الحرون
سنة النشر : 06/01/2002
الصحيفة : اليوم
... لقد زرت مدنا كثيرة في العالم ، ورأيت مدنا في غاية القذارة وكانها بقع من الكدر على اديم هذا الكوكب. ورايت مدنا لامعة جذابة وشوارعها الرخام الصقيل وحيث انه لا نرى داعيا للتحدث عن المدن الفقيرة النظافة ولا نريد تشمتا، فملاحظة حديثنا اذن عن تلك المدن الحسناوات الجميلات ليس في شواهدها العمرانية ، ولكن في نظافة جاداتها وشوارعها الأخاذة وفي مدن صارخة الأناقة مثل جنيف، وبراغ وسنغافورة ، وبوسطن ، وكامبيرا.. لم أتوفق في رؤية عامل نظافة واحد ، حتى خيل لي أنه ليس هناك. متعهدون لنظافة تلك المدن.. وحيث ان المدن لابد أن ترمي زبالتها حتى الحسناوات يفعلن ذلك! فكان لابد ان اعرف كيف تكشط هذه الحواضر ميادينها. ولم يكن من الذكاء ان اتوصل الى ان الناس يجمعون فضلاتهم ويضعونها في هذه الاكياس السوداء ، ومهمة متعهد النظافة ان تمر شاحناته وتلتقط هذه الاكياس كل صباح.. فقط اذن السر كل السر في الناس. ومدن منطقتنا من المدن النظيفة وعلى المستوى العالمي، ولكن للاسف الشديد ليس السر في الناس هذه المرة، بل من جهود الأمانة الخيالية في الجري وراء نظافة هذه المدن كالام التي تجري وراء طفلها لتحممه وهو يتمنع، ويجد متعة في توسيخ نفسه وملابسه والله هذه هي حالنا واشهد الله علينا كلنا نحن نقوم من الشواطئ والحدائق ونحرص على ان نترك آثارنا وراءنا وهي آثار لاتدل الا على الاهمال وعدم الاكتراث ومرض في الذوق.. لقد رأيت بام عيني في كورنيش الدمام حفلة شواء كاملة، لم تلقط من الارض ولا قطعة من مخلفاتها ، بل نسوا شوالا من الفحم بجانب العظام المتراكمة والطعام المتناثر وادوات الأكل الورقية.
وتعال تأمل في الصباحات جيوش العاملين منتشرين في التقاط كل حبة طعام وجمع هذا الاعصار المتخلف من الاكياس والعلب.. كل غرزة مرفش من كل عامل وكانها غمزة في قلب كل مناء لنواجه انفسنا ، ونقف أمام ضمائرنا.. ولنسال مرة ما ضرنا لو فعلنا.. ؟!...
ومازالت الأم تجري وراء الطفل الحرون.