سنة النشر : 04/06/2016 الصحيفة : الاقتصادية
- أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 90
***
- كل شيء يمر وينقضي، ويبقي وشما في القلب.. حتى الحزن.
***
ولدانا بدر ومحمد
لن ولا يمكن أن أقول إن محمد خالد الزامل وبدر عادل الفرج هما من أفضل الشباب، الشباب الجميلون في كل العائلات.. لكنهما كانا قرة أعيننا بأدبهما ووصلهما ونفعهما الخاص والعام، كانا قلبين نظيفين طاهرين، يراقبان الله في أعمالهما، فزادهما ذلك حبابة ونورا. كان محمد يقول لي، وكان رغم صغر سنه صديقا لي حبيبا قريبا: "يا عمي، لا أعلم من أحب أكثر أبي أم أنت؟"، ولكن في قلبه الفتِي سعة من الحب لأهله وللناس خارج عائلته. بدر ومحمد صديقان كالأخوين؛ لذا لما أراد محمد السفر محاولا بدء مشروع جديد صغير، وقال لأبيه: "هذا العمل سأفاجئك به وهو لك ومن أجلك". بدر رافق صديقه وقريبه وقدر الله في فجر الخميس أن نروع بخبر انتقال روحيهما للملأ الأعلى في حادث مروع. وقضى الله وقدر. وهذا يجعلني أتصور دور الأحزان في هذا العالم، فإن الله وضع لكل أمر سببا، وبالنهاية كل الأسباب تؤدي للخير. هذا ما أؤمن به بكل خلية تنبض في تشريحي الحي. إن المسلم سعيد حقا بكونه مسلما؛ لأن كل جداول الحزن الداكنة تغسل وتعود ناصعة طاهرة بالإيمان الراسخ ـــ برحمة الله ـــ، وأن من تحبه حبا يقلع القلب من الضلوع إنما هو في مكان خالد أرحب وأجمل وأسعد.. فنطمئن، فتخف أثقال الأحزان.
***
الإيمان العميق .. ذاك الإيمان العميق
إن الرضا أمر في قمة ما يمكن أن يكون في الفضائل البشرية، إن الرضا يولد القناعة، والقناعة تولد السعادة؛ لأن السعادة في الداخل هي ألا تتطلع لشيء فوقك، وتسعد بما تملك، وتعين من لا يملك. ولكن الرضا في وفاة فلذة الكبد أمر أصعب، وقليل من الناس يصلونه خصوصا في مباغتات الحياة المروعة.. الناس الراضون في أول فورة الأخبار الصاعقة في فقد من يحبون أكثر من أنفسهم، هم نادرون في البشر. العم محمد الزامل جد محمد رحمه الله أصر على أن أجلس بجانبه طيلة الوقت بمجلس العزاء، وكان قلبي يأكلني حزنا، ماذا ستكون حال هذا الحبيب الذي كلنا في عائلة الزامل خصوصا في المنطقة الشرقية نراه القدوة الأعلى ومصدرا يفيض حبا وحماية لنا بمحبته وحكمته، وهذا الضوء الذي ينبع من قلب سمح محب راض فيسطع على بشرته إشراقا. الذي فاجأني أنه قال بكل تواضع ومحبة، وفي قمة حزني وأحرى به هو أن يحزن أكثر مني: "يا حظنا لأنك منا". كل شعرة وقفت في جسدي.. وانعقد لساني وفاضت مشاعري. ولما ذهبت للعم الغالي الحبيب محمد الفرج جدّ بدر، أيضا أصر على أن أكون بجانبه، وقال بوجهه الثابت المنحوت بصلابة الرجال الذين بنوا أنفسهم بالعرق والجهد ومغالبة الصعاب، شيئا لم يمكنني أن أتحمله: "اعذرني أنا مقصر معك". يا ألله وأنا المقصر قياسيا بالوصل به. إنها دروس من رجال آمنوا واحتسبوا وبان معدنهم الصلب المشع تحت أقوى ضغط يتعرض له قلب إنساني.. وقلت لنفسي شتان ما بينهم وبيني، ليت أني أقتدي بهم وأتعلم منهم.. ليت".
***
والمهم
سأحكي لكم شيئا حدث مع شقيقي الحبيب محمد، وكنت معه.
اتصلت به فتاة من قرية منسية في الحد الجنوبي، عبر مشروعه الذي بدا صغيرا وعم المملكة وخارجها "على ناصية حلم"، وقالت له: "أريد مظلة أعمل تحتها كي أساعد النازحين الفقراء اليمنيين بسلال غذاء رمضانية، فالحمد لله أنا من عائلة مكتفية من عشرة أنفس.. ودخلنا الشهري 1900 ريال. يا إلهي ما هذا الرضا.. ما هذا الرضا؟!