سنة النشر : 05/09/2015 الصحيفة : الاقتصادية
* أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 57
***
حافز السبت:
وجدت أنه ترتقي المجتمعات عندما تستيقظ قلوبها قبل عيونها.
***
القضية:
لدي كتاب مرجعي ضخم عن تاريخ البحر المتوسط من قبل التاريخ إلى يوم تأليفه في عام 1912. ما حصل من أحداث منذ عمق التاريخ لزمننا أسهم بشكل رئيس في تشكيل وتغيير الحضارات حول ضفاف البحر الأبيض وبعيدا عنها. ولكن أعظم حدث في كل تاريخ المتوسط هو هجرة العذاب والموت غرقا أو جوعا أو عطشا، التي أبطالها بل ضحاياها الآن أهلنا السوريون. كل فرد، كل أسرة كل قارب مهترئ ملحمة أكبر من كل ملحمة كتبها شاعر أو مؤلف من أيام الإغريق لتاريخنا. الذي يحدث أمام عيوننا وأمام عيون العالم سيل آلام وهول وضياع وتيه وعبث حياتي فوق مقدرة الإنسان على التحمل، والذي يخيف هو ما الذي يجعل السوريين يفرون من سورية كي يموتوا حتى وهم أحياء ويبلع البحر أطفالهم وزوجاتهم وإخوانهم؟ ماذا سيفعل الله بمن أفزعهم من بلادهم وبيوتهم؟ ماذا ستعمل الإنسانية جمعاء من أجل إعادة السوريين لبلادهم.. أو لإبقائهم فيها؟ لن نفعل كلنا أي شيء إلا إن استيقظت قلوبنا قبل استيقاظ عيوننا.
***
المشهد:
تخشبت تماما، وكأن سلاسل دارت علي وكبلتني كي أتجرع ألم الحزن المر قطرة قطرة، متسمرا أمام برنامج تفردت به الـ "بي بي سي" في تسجيل مقابلة خاصة مع تيما كردي، وهي عمة الطفلين إيلان وغالب اللذين غرقا في البحر ولفظت أمواج البحر جثة الطفل إيلان، وتناقلت الصورة كل مطبوعة ومحطة على الأرض. تحدثت تيما كردي عن المشهد المفزع الذي كان فيه أخوها عبدالله كردي يصارع المستحيل ذاته لإنقاذ ابنيه الصغيرين من الغرق حتى أدرك عقله المذعور أن طفليه امتلأت رئتاهما بماء البحر الذي خنقهما حتى ماتا.. فأغمض عيونهما وتركهما للبحر. ولما دار يبحث عن أمهما كان البحر يحملها أمامه وقد فارقتها الحياة. سيحكم على عبدالله كردي وهو قرب سواحل بلاد الإغريق لما فقد عائلته بالعذاب الأسطوري الإغريقي الذي لا ينتهي إلا ليبدأ.. وربما أشد عذابا.
***
القلوب المستيقظة:
وقف رئيس الحكومة البريطانية موقفا صلبا ضد دخول اللاجئين السوريين المملكة المتحدة، متذرعا بعدم الاستعداد ماليا ولوجستيا لاستقبالهم، ولكن كانت القلوب البريطانية المستيقظة تصرخ وتحتج وتضغط في الشارع والصحف والميديا وتعيب عليه قلة إنسانيته، ووصفته كاتبة بالمتوحش. ولكن صورة الطفل إيلان على الساحل التركي أيقظ شيئا في قلبه كما هز الإعلام كأكبر زلزال عاطفي حدث في اليومين الماضيين، فقرر بخطاب عاطفي ــ غريب عليه ــ استقبال أعداد كبيرة جديدة من اللاجئين المنتظرين بترقب جارح.
***
رسالة:
وصلتني رسالة من متابعة سورية صغيرة: "كتبت تغريدة تقول فيها: أن ننظر للنجوم في السماء، دعني أخبرك أننا في سورية أطفالا وكبارا نخاف أن نرفع رؤوسنا للسماء فليس بسمائنا نجوم، بل طائرات تحمل لنا براميل الموت والحرق".
***
والمهم:
اللهم اجعل إيلان وغالب كردي شفيعين لوالديهما بالجنة.
في أمان الله.