سنة النشر : 12/06/2015 الصحيفة : الاقتصادية
* أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 53
***
* حافز السبت:
صناعة العقل تعني زيادة نوعية المعرفة. تلك المعرفة التي تضيف لقيمة حياتنا ولا تقف عند ذلك، بل تضيف على قيمة حياة الآخرين.
***
* الرأي:
للفنان الإسباني فرانسسكو جويا لوحة من أواخر القرن الثامن عشر غرائبية، غيّر بها طبيعة الفن السائد آنذاك، وانتقل بها إلى نوع من السريالية الانطباعية، وعنونها باسم "أحلام العقل". يصور بها رجلا منهكا وسقط رأسه على مائدة مستورا بذراعيه وحول الجسد المهدود هومت كائناتٌ غريبة ومخيفة كالخفافيش ورؤوسها من طير البوم. ومنها الرابض على الأرض ربضة الفهد المتحفز على فريسته. تأويلات النقاد ذهبت منها مذاهب شتى. أرى اللوحة بوضوح رمزا للعقل إذا غفا فتداهمه وحوش الخرافة والضلال. والعقل صناعة تبدأ من صاحب العقل نفسه، أما أن يسلمه مستسلما لمن يضيعه ويزيغه بالخرافة والكراهية للعالمين، أو يسلمه لمعاهد العلم والتقدم والتقنية وصناعة العقل التي تعني صناعة الرواد الذين ينهضون بأنفسهم ومجتمعاتهم علما وعملا. وصناعة العقل ليست عملية تبدأ وتنتهي بل تبدأ ولا تنتهي، كلنا محتاج إلى استدامة التلقي التعليمي والتدريبي والمتابعة المستمرة في ميادين العلوم العقلية المهارية، يحتاج إليها أصغر عامل، إلى أكبر مسؤول، ويحتاج إليها الشيخُ كما يحتاج إليها الصغير. صناعة العقل هي طرد تلك الهوام التي حامت وهامت على العقل الغافل، والتخلص من الشرور الجاهزة للانقضاض، وافتراس العقل.
***
* شخصيات الأسبوع:
هم ثلاثة رجال جلست معهم وجالستهم ببحر 24 ساعة أعجبوني بنباهتهم العقلية، ومقدرتهم على فهم صناعة العقل، وإيمانهم أن عقولهم هي الأوْلى أولا أن تستمر في تلقي العلوم والمعلومات في كل لحظة في عملهم وتخصصهم ومجمل حياتهم.
ـ الشخصية الأولى: أمير الرياض فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، قابلناه في المرة الأولى بمكتبه، ثم شرّف عائلة الزامل بزيارة لدار الأسرة بالرياض، والتف حوله الجميع لسهولة التواصل معه. والأمير فيصل يعطي صناعة العقل اهتماما، فلما كلفتني العائلة بكلمة قصيرة قال: نجيب من النجابة، وهنا ينبهني أن التمسك بالتقدم العقلي مهم لأحقق تلك النجابة العقلية. كما أنه كرر شيئا مهما وهو أن المسؤول لا ينجز أعماله بالثناء والدعاية، وإنما بهمة وعقول الناس ليساعدوه على إنجاز مهمته. صناعة عقلية واضحة يتميز بها الأمير المثقف.
الشخصية الثانية: المهندس زياد بن محمد الشيحة رئيس شركة الكهرباء السعودية. عندما زرته أخيرا أصر المهندس زياد ألا يشرح عن المشاريع الجبارة والنظرة الاستراتيجية الكبرى، وأن نلتقي في مركز الشركة لإعداد القيادات. والمركز هذا من أول خطوة داخله تشعر أن بوابة المستقبل فُتحت أمامك. وكل القصة أن المركز لصنع المهارات العقلية بالتضافر والتنسيق مع أكبر وأهم معاهد ومؤسسات العالم بهذه الصنعة –أي صناعة العقل المستمرة- لرؤساء الإدارات والقطاعات كما تتحلق حلقات النقاش العملي ـ من نوعية حلقات النقاش العلمي التي بدأت من عهد الرشيد ثم نضجت ببيت الحكمة في عهد المأمون- وحضرت نقاشا مهما عن رفع كفاءة خدمة المستهلكين، ورأيت التركيز ليس فقط برفع الخدمة، وهنا المغزى، بل رفع القيمة العقلية والقدرة الذهنية التي تنعكس على مهارات الأداء، لجميع الحاضرين.. حتى للرئيس نفسه.
الشخصية الثالثة: عبدالله بن حمد بن زرعة الرئيس التنفيذي لمدينة شامخة إنسانيا هي مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية. نجح عبدالله بوضوح في صناعة العقل من حيث أهم النتائج التي تظهر نتيجة لصياغة وصناعة العقل المتجدد والمنتج وروح الولاء القوية لمكان العمل، تلكم النتيجة هي الفرحة، وليس البسمة فقط، التي تبدو جلية في مسؤولة العلاقات فهدة العلي، إلى كل مسؤولة ومسؤول قابلتهم. حلف لي بدون طلب عبد الله الشويرخ وعبدالعزيز الرميحي أنهما تلقيا عروضا أكبر ماليا ورفضاها لأن بيئة المكان تجعل العقل المستقل يعمل لتستكمل هذه الصنعة العقلية. فلا عجب أن تفوز المدينة بجوائز الأداء المحلية والدولية.
***
* والمهم:
تضافر الخيال الذكي مع العلم التطبيقي ينجي العقل من هوام ووحوش التأخر والضيق والخرافة التي رسمها جويا في لوحته "أحلام العقل".