مقتطفات السبت 37

سنة النشر : 10/01/2015 الصحيفة : الاقتصادية

 

* أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 37

* * *

* حافز السبت:

حاول قدر الإمكان أن تقول ما تقصده .. بدقة.

* * *

* رأي السبت:

في فيلم هندي عجيب غريب، برأيي أنه واحد من أعظم الأفلام، وأكثرها ذكاء، وخيالا منطقيا، وفيه من مساحات المحبة والتسامح كميات تكفي أرتالا من الأرواح البائسة السوداء المنتفخة بالكراهية والعداء لبني الإنسانية الآخرين. الفيلم عن مخلوق فضائي يأتي للأرض من كوكب على بعد أربعة مليارات عام، وأهله يعنون ما يقولون، ولا يعرفون الكذب. لما عاد الكائن الفضائي إلى أهل قومه حذرهم من لغة أهل الأرض، والمسافة بين القول والقصد، فهو ينبههم ألا يأخذوا قول أي أحد من بني الأرض على وجهه، فإذا قال الأرضي إنه يحب الدجاج، فهذا لا يعني أنه يأخذ الدجاجة ويضمها لقلبه ويقبلها حُبّا وشغفا. بل الأرضي عندما يقول: "أحب الدجاج"، فهذا يعني أنه يحب أن يذبحها، ثم ينتف ريشها، ثم يطبخها ثم يقطعها أكلا بأسنانه. انشغلت الأسابيع الماضية الشبكاتُ الاجتماعية بما نُقل عن وزير التعليم الأمير خالد الفيصل قوله إن العمل بوظيفة التعليم ليست مجرد وظيفة سهلة لنيل المال. الجميع يدرك أهمية المعلمة والمعلم، والمشاق التي تتكبدها المعلمات بالذات والمعلمون كل يوم لأداء مهمتهم التعليمية من الانتقال عشرات الكيلومترات كل طلة فجر، والحوادث المفجعة المتتابعة، إلى صرف المعلمات والمعلمين من حر أموالهم على القيمة التعليمية الصفّية، وهذا أمر بائن للجميع. هل قصد الأمير خالد الفيصل ما نقل عنه حرفيا أم هناك مضمون لم يتضح. نعود لتلك المسافة المُبهَمة بين القول والمقصد. لعل الأمير قصد غير ما نقل، فلا يعقل أن يقول، وهو أعلم بأحوال المدرسين والمدرسات، هكذا قولا تبرعيا خاما. أتمنى ألا يكون الكلام مقصودا بظاهره، وأن يُعنى بنقل المعنى بدقة حين يكون قابلا للفهم المُلتَبس. العناية بالكلمات يجب أن تمرّ بألف مصفاة. ولو قلت لي مليون مصفاة لما مانعت.

* * *

* قضية الأسبوع:

من هموم الأمة قضية تنقّل المدرسات والحوادث المأساوية التي تصير لهن. ولسنوات رأينا مدرسات تأكل لحومهن الحية الطرقُ والحافلات البائسة المهتزة، والسائقون المتهورون أم المضغوط عليهم ليكونوا متهورين. وضميرنا الاجتماعي يهتز ولا نعمل شيئا، هل لأنه لا يريد أن يعمل شيئا ويكتفي بإزجاء المشاعر ويتوقف، أم لأن لا قنوات تعوّد عليها لتمر من عبرها صرخاته واحتجاجاته.. وحزنه. إن من توفين بالطرق هن ـــ بإذن الله ـــ من الشهيدات وهذا يزيح من صدورنا أكثر الهم .. ولكن يبقى الهوان الذي يحمل قيمة حياة المعلمة من زمن. وكان بالإمكان وضع الحلول، ولو عصت الحلول وهي مستحيل أن تستعصي، لفضلت خيار عدم التنقل أصلا. الآن يدور في الوزارة مشروع شركة خاصة لنقل المعلمات .. والتفكير في هذا جميل وأحييه، ونود أن نعرف الجواب لأهم سؤال: هل ستراعى كل الوسائل الممكنة والمتقدمة في وسائل النقل كي يتوقف نزيف المعلمات على الطرق .. أو يقلّ كثيرا؟

* * *

* والمهم:

من الأمثال الواقعية التي تكشف بشكل شاهق المسافة المبهمة المعاكسة بين القول والمقصد. كلمات رئيس الصين الأشهر في تاريخها الماركسي "ماو تسي تونج" كلمات شعرية جميلة رقيقة عن حرية الاختلاف والصدع بالرأي:"كما تتفتح مئات الزهور .. فلتتفتح مئات الأفكار ولتختلف كاختلاف ألوان الزهور، ولتصدع بحرية القول كما تتنفس الهواءَ الزهور". بعدها ما قصّر .. قتل ملايين الأرواح بسبب أنهم اختلفوا معه، وجهروا برأيٍ غير رأيه. هل اكتفى؟ لا، بل سمّى حملة القتل الدموية: "الثورة الثقافية"!