سنة النشر : 15/11/2014 الصحيفة : الاقتصادية
* أهلا بكم بمقتطفات السبت 31
***
* حافز السبت: الوطنية ليست الحماسة. الحماسة ليست الوطنية. الحماسة مؤقتة، الوطنية دائمة.
***
* الرأي:
إن معنى الوطنية غائم جدا عند الأجيال، ومعلوم جدا في الإعلام والصحافة التي تقولب المشاعر بعبارات ملّ منها الحبر، الذي كتبت به، وتنضى منها الورق الذي كتبت عليه. لنعلم أن الحماسة هي نتيجة اتصالات شبكية بين الدماغ ومرسلات ولاقطات عصبية توقظ "اللحظة العاطفية"، ومن طبيعتها أن تشتعل وتثور، ثم تخبو وتغور. دعني أضع هذا المثل البسيط كي أشرح الحالة. في حالة "الكوما" أو الغيبوبة عند المرضى، الذين يصابون باختلال أو عارض دماغي يتوقف الدماغ، ويصير حالة بلا حالة، حياة خالية من الحياة، لحظة خارج الزمن وخارج المكان، لما يكتب الله أن يستيقظ المريض من الغيبوبة يحدث شيء عجيب وهو شعوره بأنه انتقل لعالم آخر، وروى كثيرون أنهم وصلوا السماء. معنى ذلك أن هناك وعيا خفيا لا نعرف من أين يعمل ولا كيف، وهل هو محسوس أم من كونٍ وعي موازن.. لا ندري. ولكن أولئك العائدون من الغيبوبة يذكرونه جيدا، واللافت بالمسألة أنهم يتمسكون بالحياة بوعي مادي عقلي ومنطقي أكبر، وتزهو الحياة أمامهم بألوانٍ أبهج، وكأنهم قطفوا مادة للسعادة وهم عائدون من عالم خفي. كذلك الحماسات بأشكالها نوع من الغيبوبة اللذيذة أو المتفجرة، لا تستمر، فطبيعة اللحظة الحماسية الانطفاء والإقفال بنهاية اللحظة، ولكن يبقى شعور مقطوف معلقا بين المادة وذاك العالم الخفي. أعتقد أنه من التسرع الهادم أن نحكم بصفة "دائمة" على تلك اللحظات ذات "الصفة المؤقتة" التي نأت حماسيا عن الوعي العقلي والضميري الدائمين.
***
* المناسبة:
في المباراة الأولى لكأس الخليج عزف الجمهور العريض عن الحضور لمؤازرة المنتخب في ملعب الدرة بالرياض، بينما يتسلقون الجدران، وينسابون بين البوابات لحضور فريق محلي يشجعونه. السبب هنا ليست الوطنية. لا يعني عدم الحضور لمباراة المنتخب أنها نقص بالوطنية، ولو قسنا ذلك كمؤشر نضع أنفسنا بخديعة سرابية تمس عظم المواطنة ونخاعها. كل المسألة هي "تلك الحماسة" التي توقف الوعي الخارجي تحت القشرة الدماغية وبها لتغوص لعالم آخر يقظ بحناياه البعيدة غير المدركة، وتوقف لحظي عن إدراك المادة العامة للعالم. في هذه "اللحظة الحماسية" لا يمكن أن تعطي حكما على مسألة مادية عقلية ووجدانية مستمرة. كان للجنة المنظمة أن تركز على توفير تلك "اللحظة الحماسية" كي يأتي الجمهور ليستأنس بتلك الغيبوبة الحماسية الجاذبة والمثيرة بأن تفهم ذاك المزاج النفسي العام لإيجاد تلك "اللحظة الحماسية" كي يتدفق الجمهور. لا يمكن أن تدعو الجماهير للحظة حماسية مؤقتة بواسطة قوالب الشعارات الوطنية التي يجب أن تكون دائمة، فهما فكرتان لا تتقاطعان، بل متوازيتان لا تلتقيان. تحتاج اللجنة إلى ذكاء ووعي وإدراك لتلك اللحظة الحماسية بعيدا عن أي شعار. ومن الذكاء إيجاد لجنة منظمة ذكية.
***
* والمهم:
أقول لجماهيرنا إن اللحظة الحماسية، تلك التي تنقلكم لعوالم جميلة مؤقتة، ثم يبقى في وعيكم أثرها الجميل وانسحابها الممتع يمكن أن توجدوها أنتم لأنفسكم في الذهاب للمدرجات لأن اللحظة الحماسية يؤجج جمالاتها التساند مع الجموع، وتعارض الجماهير، ولمسات الكرة من الطرفين، ثم الانتشاء بكل انعطافة فنية، وكرة ملتوية من كل لاعب في الميدان، وبهذا الجو الجميل ستزيد لحظات المتعة توقد الحماسة. ولمن لا يحضر.. فالوطنية لا علاقة لها بعدم الحضور. فالوطنية لازمة وحاضرة باستمرار وليس بمناسبة، تأتي ثم تنتهي.