سنة النشر : 19/07/2014 الصحيفة : الاقتصادية
- أهلا بكم في مقتطفات السبت لشهر رمضان المبارك 1435هـ
***
- هناك شاعر ليس مشهورا من أقوى الشعراء متنا وتعبيرا وجزالة، برع بتصوير مشاهده الشعرية أبرع من الأمريكي الإنجليزي الشاعر الكبير توماس إليوت. واسمه "أبو إسحاق الصابي" وسيرته مدهشة، لأنه في الأصل كان كاتبا وناثرا عالي الكعب في صنعته. وما أدرجنا هذا الشاعر إلا لنذكر بيته الذي قال عنه الثعالبي: "هذا البيت أملح ما سمعتُ في معناه" يعني أجود وأقوى تصويرا، والبيت يقول:
"طافوا علينا وحرُّ الصيفِ يطبخنا حتى إذا طُبخَتْ أجسامُنا.. أكلوا!"
وهذا هو حال غزة هذه الأيام، لا أظن أن هناك منطقة مزدحمة في السكان بشكل يكاد الكتف يلتصق بالكتف كما هو الاكتظاظ بغزة.. ولا أعتقد أن ناسا فرض عليهم حصار عسكري وحدودي مثلما فُرض على أهلنا بغزة. أنا هنا لا يهمني ما دار اللغط حوله أن حماس تحرشت بإسرائيل، ولا أريد أن أدخل بهذا الجدل. الذي يهمني أن إسرائيل لما تضرب بالجو من المستحيل عينه وذاته وشخصه أن لا تصيب مدنيين، ومستحيل أيضا أن يكون موت مدنيين في غزة من جراء القصف الإسرائيلي عن طريق الخطأ، لأن المنطقة شريط ضيق على البحر محاصر كلها مدنيون، فمن سيموت إذن سواهم؟ من هذه الرؤية عينها نستطيع أن نقول، وهنا أقبل الجدل، إن إسرائيل كانت تعلم مسبقا أنه سيسقط ضحايا مدنيون، إن لم أقل إنها خططت لذلك، فيصدق قول الشاعر الناثر "إسحاق الصابي"، كان أهل غزة يعانون من سطوة الحر الذي كعذابٍ بذاته لضيق الكهرباء وشح الطاقة، في هذا الوقت غزة سجن حارٌ مكتظ بحالة مريعة بلا حاجة إلى ترويع بالرصاص والنار والتدمير، وأبت إسرائيل إلا أن تستغل نار حرارة الصيف والقنابل لتأكل لحم أهلنا وأطفالنا.. ثم يأتي من يناقش البيضة قبل أم الدجاجة!
***
- في برنامج "في الصميم" يقدمه أخونا المتمكن "عبد الله المديفر" سمعت ضيفا يقول له عن أمر يحدث على الأرض، إنه يعرف هذا الموضوع "معرفة يقينية". وهنا وقفت عند كلمة يقينية. كيف يكون الأمر يقينيا في أمر قابل للجدل واتساع الشكل واختلاف زوايا الرؤية وتعدد الآراء عنه؟! للرياضي الفيلسوف الإنجليزي الشهير "برتراند رسِلْ" كتابٌ من أعظم ما عرف العالم من تفسير المعرفة التي تصل لليقين بكتابه "أصول الرياضة" الذي أول ما ظهر في العام 1903 وشاركه في التأليف صاحبه الرياضي العبقري "وايتهيد". فهو يناقش المعرفة عن طريق التحليل المنطقي الرياضي ليصل إلى هدفه أن يستكشف إلى أي حد يجوز للإنسان أن يقول إنه "يعرف" ويقول إن المعرفة تبدأ من اليقين إلى الرأي والظن. ويستطرد بتفسير ولا أجمل بعقلية صافية واختصرها بالنتيجة البسيطة أن الرياضة - علم الرياضيات - هي المعرفة اليقينية التي لا تشوبها الشك، فلا أحد يشك بأن المتر مثلا أقل أو أكثر من 100سم، ولا واحد زائد واحد اثنان. وأصل هنا أن كلمة معرفة يقينية لا تقبل في أي حادث إنساني حاضرا ومستقبلا، فدوما هناك خبايا لا يعلمها أحد أو يعلم بعضٌ شيئا وآخرون شيئا آخر. إن رجلا يقول أعرف معرفة يقينية في موضوع جدلي وقابل للتغير والتبدل والتمحور مع الظرف والزمان والمكان.. هو لا يعرف أصلا معنى أن يعرف.
***
- شخصية الأسبوع: له طريقة في الإضحاك هي ديدنه وعادته وربما أقول فيما أعرفه عنه "من طبعه". اقرأ له فأضحك، يرد علي بالتويتر فأضحك، يهاتفني فأضحك، التقي به فأضحك.. ولكنه يضحكك ساخرا ذكيا وهذه عبقرية نادرة. السخرية الموضوعية الذكية نادرة كندرة اليورانيوم ومثله متفجرة. عندما يكون في الجو أثر شخصي قريبا أو بعيدا عن الأستاذ "نبيل بن فهد المعجل" فلا بد أن الجو يبتسم تلك الابتسامة العميقة التي تغلف المعنى العميق بورقة سلوفان ضاحكة. إن نبيلا لو يقضي وقتا بعيدا عن الناس يقرأ للجاحظ ولبرنارد شور لخرج بأمرين؛ أولاً قوة اللغة الكلاسيكية ومرونتها في اللغتين.. وبما يملكه نبيل من ذرات متماحكة بكينونته من السخرية الذكية، سينفجر بعالم السخرية قوة هيدروجينية.. ولكن في "الاستخدامات المدنية".
- والمهم:
من يدعي المعرفة اليقينية التي لا يعلمها إلا الله.. ينطبق عليه قول صاحبنا اسحاق:
نقصتَ من كل فضلٍ، فقد تكامــلتَ نقـصـا
لو أن للجهل شخصا، لكُنتَ للجهلِ شخصا