سنة النشر : 23/12/2015 الصحيفة : اليوم
لا أعرف إن كان مشجعو ومهتمو كرة القدم العالمية مرّ عليهم هذا الوصف باللغة الإسبانية وهو "لا فيورا اسبانيولا" وفيورا تقابلها كلمة انجليزية هي فيوري Fury أي الرعب والهول.
ويسمي الإسبان منتخبهم الوطني لافيورا اسبانيولا، أي الرعب الإسباني. وترى أن الرعب استخدم كمحل فخر وتباهٍ وأنفة في حال المنتخب الإسباني. ولكن مهلا، حاول أن تذكر "لا فيورا اسبانيولا" عند البلجيك أو أهل هولندا، وأنحاء من فرنسا.. فانتبه لا يقفزون عليك من شدة الغضب.
لما كانت إسبانيا القوة العظمى في القرن السادس عشر وتقع تلك الشعوب تحت سيطرتها الكاملة، وكحال أي شعب يروم للحرية والتخلص من ربقة الاستعمار ثارت شعوب تلك المناطق مرارًا، فأمر الملك الإسباني وقتها بسحق تلك الثورات، ولو أطللت على مراجع الحرب في أوروبا بتلك العتبة الزمنية لتهولت أنت أيضًا من شدة الوحشية والبطش من الجيوش الاسبانية التي كانت تنقض على تلك المدن شبِقةً للدم جائعةً للقتل والتعذيب والتمثيل بلا رحمة، يكفي أن أذكر لكم أن بلدة في الجبال بين هولندا وبلجيكا أبيدت بالكامل حتى مع كامل مواشيها.. وزيادة في ترسيخ مشهد الخوف في قلوب المطالبين بالحرية أطلق على تلك الجيوش الهمجية «الرعب الإسباني».
العبرة من ذلك أن لكل شيء تبريرا، ولكل شيء وجهين، لا بل آلاف الوجوه، لأن الحقيقة كما يقول أوسكار وايلد لا تظهر عارية، ليس لأنها تستحي، بل لأن الفظائع لا تعترف أنها فظائع فتعري حقيقتها.. فجُعلت الحقيقة لباسا لأي خطأ يقترفه الإنسان ولو كانت الوحشية العمياء.
وترى الآن المشاهد الحربية في غزة، والإسرائيليون يرسلون جيوش الرعب الاسرائيلي على عزل معزولين وألبسة الحقيقة التي يروجونها معلقة وجاهزة للتناول، وتضرب قاذفات النار من طيارات الرعب والنار في سماء سوريا تتلبس أيضا الحقائق، بل حتى الفخر والشعور بالبطولة بمعناهما الفاضل!
إن هذا ما يحصل الآن في العراق واليمن وليبيا، فرق تثور على وطنها، تخرب ثروتها، تقاتل بني جلدتها، تهز أمن أوطانها، ثم تجري وراء أقنعة تدعي بها الحقيقة لتصوّر العمل السفلي الدموي المتدني عملا بطوليا مسرحيا في دراما العار الإنساني.
وإن وجدت عذرًا للمنتخب الإسباني بأن يُطلق عليه لافيورا اسبانيولا.. فأي "فيورا" في أي حرب وتطاحن هي سقطة شاهقة لمعنى الإنسانية.. بلا أي تبرير، وهذه هي الحقيقة. على أن المؤسف جدًا أنه عندما يُراد القضاء على حرب شريرة، فلا بد من حربٍ أخرى. وربما أسمينا الحروب التي تصد حروب الشر، بما أنها أيضا تحمل رُعْبًا ضد الأشرار "لا فوريا بلانكا"، أو الرعب الأبيض.
ونسأل الله أن يوقف الرعب بكل ألوانه.