نيومكسكو

سنة النشر : 29/04/2009 الصحيفة : اليوم

 

.. وعمّ روعٌ جديد. روعٌ ابتدأ من العاصمة المكسيكية نيومكسكو، وضرب في أركان العالم، نذيراً للعبة جنونٍ أممية، قد تفوق جنون اعصار انفلونزا الطيور الذي ضرب من شرق آسيا ولم يترك جحرا به طير ولا سماء إلا وأصاب بوابله مقتلاً أو إصابة.. إلا أن الريح السوداء الجديدة أكثر خطرا، وأسرع انتشارا، وأقسى، وأموَت من كل ما عُرف من حُميّاتِ الانفلونزا التي عاثت بالأرض منذ بدأ الإنسانُ يسجل تأريخا للأمراض.

كل يوم أحد تمتليء كاتدرائية العاصمة المكسيكية بالمصلين، حتى أنه يقال إنها أزحم دار عبادة كاثوليكية على الأرض، فالمكسيكيون كاثوليكيون مؤمنون متمسكون، مع أنهم في ممارساتهم اليومية والسياسية والتعاملية أبعد ما يكونون عن أخلاق القديسين الذين تطل وجوههم منحوتة من الرخام الأبيض المُعتّق على جوانب سقف الكاتدرائية الشاهق.

يتوقف المرور، وتعلن حالات طوارئ كل أحد ليس فقط بجانب الكنيسة، بل بإشعاع يفوق دائرة الميل، من شدة الاضطراب والحركة والزحام قبل القـُدّاس وبعده.. وكل أحدٍ يموت ناسٌ منهم بالاختناق، أو بالتزاحم، أو بالعنف، وبعضهم يسقط مغمى عليه من الضغط أو حالات السكر أو الطعن بالعُمر.. فترى سيارات الاسعاف والشرطة تعوي تريد أن تجد مخرجا للوصول للمراكز والمستشفيات، ولكن هيهات.. إلا الأحد الماضي.. سكونٌ مخيف.

صمتٌ كعاصفة من صراخ الأموات والأحياء تلف الكنيسة الكبرى الفارغة، والكراسي المنحوتة من جذوع السنديان، تنزّ بالوحدةِ ورائحة الخشب العتيق النفاذ، والجرس النحاسي الهائل يتدلى يلفه الهواءُ والخواءُ ورنين يغيب في جوف الصمت والوحشة لأول مرة من تاريخ تعليقه في البرج المزخرف بالهندسة القوطية.. وكل الشوارع، والجادات، والأزقة، ومسارب الدروب بين الأحياء.. لا روح.. لا نفـَس.. إلا أشباح الخوفِ بمناجلها.. والكل في بيته يخاف أن يطل على الهواء المسموم في جو المدينة.. فقد مات حتى ذاك اليوم بالمسجل أكثر من مائتي شخص، وأصيب الآلاف بحمى الخنازير.

على كل من يسافر أن يحفظ هذا الاسم بالانجليزية ليقرأ التحذيرات في كل مكان يصله في العالم خصوصا في أوروبا وأمريكا الشمالية، والتحذير منقول بإصرار لأولادنا وبناتنا الذين يدرسون في الخارج وبالذات بتلك المناطق.. احفظوا الاسمَ جيدا، وأقرأوا عنه فكتيباته منشورة بكل مكان، وتابعوا البرامج المتخصصة واتبعوا النصائحَ الطبية حولها، فمرض الخنازير اسمه بالانجليزية «Swine Flu».. احفظوا الاسم جيداً.

صرح وزيرُ الصحة بخلو المملكة من أي إصابةٍ بهذا المرض، وهذا بفضل الله ومنته، ولكننا لسنا جزيرة محصنة، بلدنا مثل أي بلد في العالم مفتوحٌ على العالم، والعالم مفتوح عليه، وهكذا تنتشر عدوى الأمراض..

لذا يجب أن نـُفـَهَّم أكثر عن نوعية المرض، وكيف يمكن أن يصل إلينا، وما هي أعراض الإصابة به؟ وكيف يُقاوَم ليس فقط من قبل الأفراد، بل كيف يُستعـَد له من الآن، حتى وإن كنا شبه محصنين، فالله أمرنا بالعمل والاتكال في كل مرافق وزارة الصحة، والمستشفيات الأهلية والمؤسساتية.. استعداداً لوجستيا كمن يعلن النفير.

فالمرضُ ينتشر بسرعةٍ، ويودي بصاحبه بعنف وتتابع غير رحيم، ويختلط مع عوارض الانفلونزا العادية مصحوباً بالاسهال والاستفراغ.. فالاطباءُ يجب أن يتدربوا على تشخيصه من الآن..

نسأل الله الحماية، والحماية تحتاج درعا، والدرعُ هي المعرفة والوقاية والاستعداد. فناولونا دروعَنا.