سابك

سنة النشر : 28/04/2009 الصحيفة : اليوم

 

.. في فترة شبحٍ اقتصادي يعم الكرةَ الأرضية، يفتتح الملك عبدالله مشاريعَ في الجبيبل بعشرات البلايين. ما المغزى؟ سابك حققت في الربع الأول من العام خسارة غير مسبوقة، فالصناعة البلاستيكية والقائمة عليها في كل الكوكب أصيبتْ مباشرة في سويداءِ القلب، خصوصا بعد تهاوي زبونها الأول صناعات السيارات، والصناعات التكميلية لملايين المنتجات.

وفي ظل صورةٍ بالغة القتامة تعتبر سابك حالة نادرة الآن بين عمالقة صناع البتروكيماويات في الدنيا، فهي ما زالت في أوجّ قوتها، بل حققت أعمالُها التشغيلية في الربع الأول هذا العام زيادة بما يقارب الثلاثة بالمئة عن العام الماضي، بينما يتهاوى العمالقةُ في العالم، وبعضهم تعرّوا حتى الإفلاس، ومنهم من أُقيم عليهم العزاء.

واقعٌ رهيبٌ ومؤلم، ولكن سابك ما زالت صامدة، وهي صامدةٌ لأن فلسفة القِيَم المضافة نفعتها، وهنا الفكرة العبقرية في الاستفادة من الظرف والموقع والفرصة.. صحيحٌ أن «سابك» أصيبت بضربةٍ في الخاصرة بعد الاستحواذ الشهير لفرع البلاستيك الذي تخلت عنه حنرال الكتريك لسابك بمبلغ موجع، وصحيح أنه جاء في وقت ضاعف عمق الجرح، فمع حدوث الزلزال العالمي جاءت الخسارة المالية في الاستحواذ على الشركة الأمريكية لتضاعف الخسارة، وفي الأوقات العصيبة يكون النقدُ السائل المتوافر أعظم أهمية من الأرباح، بمعني أن أباً يفتح دِرجَه ويجد ريالاً يشتري به خبزاً الآن لأولاده الجائعين أفضل من ربح مائة ريال سيأتيه بعد عام.. فربما لا الأبُ ولا عياله يستطيعون الحياة حتى ذلك الوقت، هذه أهمية توافر الريال في حين الحاجة إليه.

ولكن سبب استمرار سابك هو ثقلها المالي، وتراكمها الربحي عبر السنوات السابقة، وربما ما زالت تجد طريقا للقروض في وقت أغلقت البنوكُ في العالم بوابة القروض، بل البنوك بدورها راحت تبحث عن إعاناتٍ أو تعلن انهاء وجودها.. وهناك أمرٌ آخر أظن أن سابك تلعب به.. شيءٌ أسمه آلية تحمل الألم. تعرفون لعبة من يصرخ أولاً حين يعض طفلان اصبعَي كل منهما، ومن يصرخ أولا يكون هو الخاسر، هذه الآلية هي التي تراهن عليها سابك، بأن تصمد إلى أن يصرخ الآخرون، وسمعنا صرخات الألم، وأحيانا الموت، لمنافسي سابك في العالم.

وهنا يأتي دورُ سابك، فالعالمُ لن يقف عن الصناعة، وإن قلت المعدلات، وساء الاقتصاد، وبالتالي فالحاجة لما تنتجه سابك سيبقى، وبغياب المنافسين أو بعضهم تتعاظم فرصة سابك في السوق الدولي.

والملك عبدالله لا يقدم رسالة للعالم فقط في تفاؤله بأن السوقَ العالمي سيتعافى قريبا، بل إنه يساهم مباشرة في إيقاظ رغبة التعافي لدى المريض المنطرح على القارات بإشعال مصاهر الأمل وهو يضع أصبعَه ليُعلن ببركة الله افتتاح مشاريع عملاقة أخرى ببلايين الدولارات.

ويعلن عن شيء مهم.. أنه يساند صناعات البتروكيماويات السعودية، ليعطيها ثقةً هائلة في أسواق التمويل وأسواق الاستهلاك، وفي تعزيز دورها لرفد العجلة المائلة لعربة الاقتصاد العالمي.. برأيي، هذا هو المغزى.