سنة النشر : 20/01/2009 الصحيفة : اليوم
.. في العام 1916م، وصلتْ أولُ دفعةٍ من السودِ الأفريقيين إلى السواحل الأمريكية، وكانوا عبيداً يوضعون في أقبية قاع السفن مع الفئران والحشرات والظلام والعفـَن، مكبّلي الأيادي من الخلف، وتتعامدُ أقدامهم بأصفادٍ ثقيلة، ويعطـَوْن طعاماً من فتاتِ أكل البحارةِ البيض، وعلـَف الحيوانات.. ثم صاروا مملوكين لأصحاب المزارع، والضياع في الولايات الجنوبية الأمريكية..
إنك عندما تقرأ تاريخَ الحركةِ السوداءِ في أمريكا ستجد قصصاً عجَبا.. قصص العبوديةِ، وقصص جرّ العرباتِ مثل الحيوانات، وقصص الحظائر التي يُحشر بها السودُ، وقصص اعتداءات أصحاب المزارع على المراهقاتِ السود، وقتلهن متى حَبـِلن.. وقصصُ المشانق التي يُعلقُ عليها السودُ بلا إثمٍ ولا ذنبٍ إلا ممارسةٌ عنصرية منزوعة الإنسانية.. لذا تجد أن البيضَ المتعصبين ضد السود يوزعون اليومَ شعارَ المشنقة على ابواب السودِ، وفي أحيائهم، تذكيراً لهم بموجةِ الشنق في أيام بالغة الظلم والإظلام.
وفي الشمال استـُخدِمَ السودُ بالمصانع، ورصف الشوارع، والبناء..
بعد مائتي عام من وصول أول أسودٍ لأمريكا، بنى العبيدُ السودُ تحت نيْر الدونية أعظم وأشهر مبنـَيـَيْن في أمريكا، وربما في العالم: مبنى «الكابيتول هول»، و.. «البيت البيض»..
البيتُ الأبيض، بنته أيادٍ سود!
وتقلب الزمانُ، والنضال.. ليقوم أسود سيّداً على البيت البيض، وعلى كامل الأمةِ الأمريكية.. ويعود السودُ بعد عهودٍ من الدم والألم والقهر ودوس الكرامة، ليضعوا واحدا منهم كأقوى شخص في العالم.
وقد تجد كلامي غريباً إن قلت لك أنه ليس فقط المفاهيمُ الأمريكية الديموقراطية هي سبب تغير المفهوم العنصري في أمريكا.. إنما المساهمُ الأكبر هو الإسلام.. الإسلامُ هو الذي فتح عيونُ السود على معنى واحترام الحرية والمقاومة من أجلها.
أرجو أن تقرأ كتباً ومراجع لا يسع المقامُ لذكرها عن دور الإسلام في تعزيز مبدأ الحرية في قلب كل اسود في أمريكا.. ولكني أعيدك لقصة من أعظم القصص في تاريخ حركة السود في أمريكا وأفريقيا معا، وهي عودة المناضل والمفكر السيد الأسود إدوارد بلايدن إلى أفريقيا من أمريكا، حيث ساهم في تأسيس دولة «ليبيريا»، وتعني الحرية، على ضفاف ساحل أفريقيا الأطلسي، ثم أسلم متأثراً بعالم إسلامي من سوريا، ومن ملهمهِ الكبير الإنجليزي الإسلامي « Islamicist بوزورث سميث»، لما قرأ كتابه: «تاريخ الإسلام في أفريقيا»..
بعد عقودٍ عديدةٍ، ظهرتْ حركة «أمة الإسلام» بقلب نيويورك ( وهي الحركة التي دعتْ «محمد علي» الملاكم للإسلام) وخرجت من الحركةِ أقوى موجةٍ تحرريةٍ سوداء في أمريكا..
«أوباما»، مسيحيٌ، أبوه مسلم.. والحريةُ السوداءُ بأمريكا ساهم بها الإسلامُ. وعلينا كمسلمين أن نذكره بذلك.
نذكره بقصة وصوله للبيتِ الأبيض رئيساً، الذي بناه جدودُه السودُ.. عبيداً !